مما لا يؤدي إلى نقص في مراتبهم السامية: كالمرض، وأيضًا الإغماء، أغمي على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرضه الأخير كما ثبت في (الصحيح)، بخلاف المرض الذي فيه نقص: كالجنون، والجُذام، والبرص مثلًا، الذي يصرف القلوب عن متابعة الأنبياء، كل ذلك هم معصومون منه.
فبالجملة: كل ما يؤدي إلى الانتقاص من مقام النبوة ومن أشخاص أصحابها، الأنبياء جميعًا والنبي -صلى الله عليه وسلم- على رأسهم معصومون منه؛ إذن هذه قضية لا جدال فيها، وأيضًا معصومون من كل عوارض بشرية تؤدي إلى نقص في مكانتهم أو منزلتهم أو تؤثر على تبليغهم، مثل: المرض الشديد الذي يصرف القلوب، أو الأمراض المعدية، أو ما شاكل ذلك.
أما سائر العوارض البشرية فتسرِي عليهم، ولقد تعجب الكفار فقالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} (الفرقان: 7) وكأنهم يريدون أن يأتي ملك من جنس آخر غير الجنس الذي يأتي البشر، مع أنه من المنطق جدًّا حين يأتي الرسول إلى بشر أن يكون بشرًا مثلهم، وأن يخاطبهم بلسانهم حتى يفهموه ويستوعبوا عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} (إبراهيم: 4).
ومن العجيب في البيئة العربية القديمة أنهم في الوقت الذي استكثروا واستثقلوا أن يكون فيه الرسول بشرًا قَبِلوا أن يكون فيه الإله حجرًا -والعياذ بالله- مما يدل على خلل العقول، وأن الأمر إذا أوكل إلى العقول بدون عصمة الوحي فإن العقول تضل وتتيه في بيداء الظلمات ولا تهتدي إلى معرفة الحق والصواب.
هذا التخيل المذكور ما الذي أثر في النبي -صلى الله عليه وسلم- في السحر؟ الذي يرد على هذا كل الروايات، حتى الروايات المطلقة تحمل على الروايات المقيدة، وهذا فن حديثيّ معروف عند أهل الصنعة، خلاصته: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كل الأثر الذي تعرّض له هو أنه كان يُخَيَّل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، كله أثر السحر.