{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} (طه: 17 - 21). موسى -عليه السلام- يتكلم عن أنه يعرف لماذا يحمل العصا؟ {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا}، أراد الله -عز وجل- أن يلفت نظره إلى أننا سننبهك إلى لمهمة أخرى لهذه العصا: {أَلْقِهَا يَا مُوسَى}، {فَإِذَا هِيَ} إذا الفجائية، تحولت إلى عصا، أنت علمت هذه الخاصية، ستحتاج إليها فيما بعد، حين يوحي الله إليك بأن تستخدمها على الوجه الذي يعلِّمك الله إياه.
{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} (الشعراء: 45) {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ} (طه: 70) حتى بدون تردد، الفاء تفيد الترتيب مع التعقيب، لم يترددوا لحظةً واحدةً؛ لأنهم علموا أن الذي جاء به موسى ليس في قدرة ساحر أبدًا.
في المقابل لمَّا تكلم الله عن صنيعهم قال: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (طه: 66) هي حبال وعِصِيّ باقية على حالها لم تتغير ولم تتحول عن كونها حبالًا وعِصيًّا، غاية ما في الأمر أنه بعمل السحر الذي يعملونه خُيِّل لسيدنا من سحرهم -أي: بسبب سحرهم، مِنْ هنا سببية- أنها تسعى، لكنها لم تتحول إلى حية فعلًا؛ ولذلك لما رأوا العصا تحولت إلى حية علموا أن موسى مؤيَّد من قِبَل الله -تبارك وتعالى- ولذلك يقول المفسرون: لم يقولوا آمنا بموسى وهارون، إنما قالوا ... نقلوا الإيمان مباشرةً إلى رب موسى وهارون، علموا أن البشر لا يأتون بهذا، إنما الذي يأتي به هو الله -عز وجل-: {قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} (طه: 70).
إذن السحرة يُستدَل بسحرهم على النبوة، لا يُتَحَدَّى به الخلق، لا تنقلب به حقائق الأشياء، تكون بالاستعانة بالشياطين، أو بخداع وتخيلات لا أصل لها،