الذي يبيِّن أن سيدنا موسى تعمَّدَ إيذاء الملك، هو يقول: ((صكه))، مثل: {وَكَزَه} في الآية القرآنية، فقضى عليه من غير قصد للقتل أبدًا، وأيضًا هنا صكه ففقأ عينه من غير قصد للإيذاء.
إذن ليس في الحديث ما يدل أبدًا على أن سيدنا موسى تعرض بالقصد المتعمَّد بالإيذاء لملك الموت حين جاءه.
أيضًا يقول القرطبي في (المفهم):
هي عين متخيَّلة لا حقيقة، أو هي معنوية بمعنى الحجة، قال: وهذان القولان لا يُلتفت إليهما لفسادهما. هذا تعبير القرطبي في (المفهم). يعني: علماؤنا من شدة إيمانهم بالحديث لم يقبلوا بالمجاز فيه، ولم يقبلوا صرْفَه عن حقيقته؛ لأنه ليست عندنا لا ضرورة إيمانية ولا ضرورة عقدية ولا أي إشكال أبدًا في فَهم الحديث على ظاهره كما ورد في كتب السنة؛ ولذلك تكاد تُجْمِع كلماتُهم على رفض التأويل المجازي لهذا الحديث، هذا وقع من قوم لا يَمتنع عندهم في فَهمهم، مثل: الإمام النووي، والإمام القرطبي، من القول بالمجاز في كثير من القضايا.
يقول القرطبي -رحمه الله تعالى-: وهذان القولان -أي: هي عين متخيلة، أو معنوية- لا يلتفت إليهما لفسادهما، وخصوصًا الأول التي هي عين متخيلة؛ لأنه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة لها، يعني: لو أردنا مثلًا مخافة الشُّبَه والتهم أن نصْرِف الحديث عن ظاهره بأن نقول: إنها عين متخيلة وليست حقيقية، لوقعنا في إشكال آخر، معنى ذلك أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة على غير هيئتهم الملائكية لا حقيقة له، يعني: من الممكن أن يكون ملكًا أو ليس ملكًا، والنبي لا يعرف ذلك، وهذه قضية خطيرة جدًّا، إنما أن يقال: إنه كما قلت لم يقصد الإيذاء، وإن العين حقيقية، غير أن ملك الموت لمَّا أتى على