بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس عشر
(بين المدرسة الحديثية والمدرسة العقلية)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه، وأصحابه، وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فنحن الآن نبدأ -بإذن الله تعالى وعونه وتوفيقه- نبدأ الكلام عن شبهات من نوع جديد، وهي عن أحاديث بذاتها وبنصها وردت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أثاروا زوابع حول كثير من الأحاديث النبوية، زعموا أنها تُخالف العقلَ، وأنها تُخالف القواعد الحسية، وأنها تخالف القواعد الطبية، وغير ذلك مما أثاروه من شبه وإشكالات.
وأودُّ أن أنبِّه إلى أن المدرسة الحديثية لم تكن بحاجة إلى أحد لينبِّهها إلى أن هناك قواعد شرعية في ضوئها تُقبل الأحاديث المطهرة؛ بل إن هذا العناء الذي بذله المحدِّثون في صيانة السنة، في وضع قواعد الجرح والتعديل، وشروط قبول الرواية، وشروط قبول الراوي، وكيف يكون التحمل والأداء، وما هي شروط صحة الحديث. علم المصطلح الذي تفرعت عنه علوم كثيرة جدًّا كلها وضعت لخدمة السنة المطهرة ولصيانتها؛ لأن السنة المطهرة عبارة عن رواة نقلوا لنا كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم رجال الحديث، أو إسناد الحديث، أو طريق الحديث، ومتن نبوي نُقل إلينا عن طريق هؤلاء الرجال، وضعت القواعد الضابطة لأحوال الراوي وأحوال المروي معًا.
لم نكن بحاجة إلى مَن ينبهنا إلى أن الحديث إذا خالف المعقول يكون ذلك من علامات الضعف، أو الوضع في الحديث النبوي، ولم نكن بحاجة إلى أن مخالفة الحديث للقواعد الحسية، أو الواقعية أو العقلية، دلالة على أن هذا الحديث فيه ضعف شديد إن لم يكن موضوعًا.