إذن هناك أحاديث هنا، وهناك أحاديث هنا، ولأنهم يريدون أن يخدموا غرضهم، اقتصروا على جانب من الأحاديث، وتصوروا أن الوضَّاعين وضعوا هذا الأمر: ((وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي)) ((بايعنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، في المنشط والمكره، والعسر واليسر على أثرة علينا)) وما داموا يقيمون الصلاة، وليس هناك خروج على الإمام إلا أن يكون هناك كفر بواح عندكم فيه من الله برهان، وهذا إغلاق لباب الفتنة، وحفاظ على وحدة الأمة، ولم يكن أبدًا استسلامًا، ولا ضعفًا، ولا مهانةً، ولا مذلةً، ولا انقسامًا.
إذن هذه فِرية أن يُقال: إنهم وضعوا أحاديثَ، وأن علماء المسلمين استجابوا لهم في ذلك؛ إنما هي أحاديث قالها رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ولها مناسبات، النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح أمّر أميرًا، وهذا الأمير حاول أن يختبرهم، فأوقد نارًا، وطلب منهم أن يُلقوا بأنفسهم فيها فما استجابوا له؛ فاستحسن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك. بعض الروايات تقول: "لو كانوا أطاعوه كانوا دخلوا النار".
إذن هو يعلمهم بشكل عملي أنه: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق))، وهذا الحديث تناقله علماء الأمة لم يكتموه، لم يخفوه، لم يطمسوه، بالإضافة إلى الأحاديث الأخرى التي ذكرناها.
هذا الفقه الواضح الجلي يعلمه علماء الأمة، ويعلمون الفهم السديد لهذه الأحاديث، ومصادرنا مليئة: شروح البخاري، وشروح مسلم، وكتب السياسية الشرعية، وغيرها، تتكلم عن فهم هذه الأحاديث، وليس من بينها أبدًا أن هناك من وضع حديثًا؛ ممالأةً لحاكم؛ لكي يعينه على ظلمه، أو على بَغيه، أو أن يؤسس لملكه كل ذلك افتراء، لا الحكام -كما قلنا- طلبوا ذلك، ولا العلماء وضعوا ذلك، ولا الأدلة الشرعية التي بين أيدينا سارت في خط واحد؛ إنما سارت في الخطين المتكاملين اللذين يصلانا بالأمة إلى برِّ الأمان.
هذا بالله التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه.