التباعد بين أقطارها -كما قلنا- والتباين على منهجها المستمد من القرآن والسنة، ولم يسجل التاريخ أبدًا أنه قد حدث اختلاف في عبادة، أو في صيام، أو في كذا، بلد تصوم رمضان يوم السبت والأخرى، وأخرى تصوم يوم الأحد هذا بناء على اختلاف الرؤيا لا يستعملون الحوادث استعمالًا خاطئًا، وخصوصًا أنه لم تكن هناك اتصالات، ويتولَّد فقه يناقش هل لكل بلد مطلع خاص، أو من الممكن اشتراك البلاد؟ هذه نقاشات فقهية في ضوء الأدلة، لكنها لا تدل على اختلاف، ونشوء المذاهب كان من خلال القرآن والسنة أيضًا، ولا يوجد عالم يستدلُّ على قضية إلا من خلال القرآن والسنة، يقول: إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط.
وأيضًا في بعض الكتابات من المستشرقين يستدلون مثلًا باختلاف العلماء على أنه قد حدث وضع. هذا كلام فارغ، اختلاف العلماء له أسبابه الكثيرة التي ذكرها العلماء؛ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- له كتاب في (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وهو كتاب عظيم، والبيهقي وغيره لهم كتب في هذا، يذكرون فيها الأسباب التي اختلف العلماء بسببها، منها: أن الدليل قد لا يصل إليه، والصحابة -رضوان الله عليهم- على شدَّة اقترابهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- فاتتهم بعض الأحاديث، هذه ليست مشكلة، حتى الأدلة التي كانوا يحاولون أن يستدلوا على عدم قبول خبر الواحد -كما يزعمون- مثلًا توقف أبي بكر في ميراث الجدة، هذا دليل على أنه لم يعلم أن هناك حكمًا للنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه المسألة، وهو قال ذلك للمرأة: "لا أجد لك في كتاب الله شيئًا، ولا أعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى لك بشيء"، فهذا هو أكبر عظماء الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم- تغيب عنه أحاديث. عمر في قصة الاستئذان، وعشرات المواقف، وقد يكون نسي الدليل، وأيضًا هناك أدلة على ذلك، وقد يصله الدليل إلى العالِم من طريق صحيح ويصل الآخر من طريق ضعيف،