{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6)؛ فهنا الحكم مأخوذ من مفهوم الآية، يعني: العلة في عدم قبول خبره أنه فاسق وليس واحدًا، هذا المنطوق ... فما المفهوم؟ إن كان عدلًا؛ حتى وإن كان واحدًا فاقبلوا خبره؛ لأن العلة في رفض قبول خبر الأول ليس لأنه واحد؛ وإنما لأنه فاسق أي بسبب فسقه.
وأيضًا يقول الإمام البخاري: وكيف بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أمراءه واحدًا بعد واحد؛ فإن سها أحد منهم رُد إلى السنة ... أيضًا إرسال النبي -صلى الله عليه وسلم- الواحد بعد الواحد دليل على حجية خبر الآحاد.
ثم ذكر في الباب مجموعة من الأحاديث كلها تدور في هذا الفلك "إثبات حجية خبر الواحد" ذكر حديث مالك بن الحويرث -رضي الله عنه- قال: ((أتينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ونحن شببة متقاربون ... -يعني شبان متقاربون في السن- فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رقيقًا؛ فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا؛ سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلّموهم ومروهم)) وذكر أشياء أحفظها ولا أحفظها ... -يعني يحفظ بعضها ولا يحفظ بعضها- وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم)).
إذن بعث كل واحدًا إلى الجهة التي جاء منها وعلمه ماذا عليه أن يفعل من إقامة الصلاة والآذان وأن يؤمهم أكبرهم إلى آخر ما قال -صلى الله عليه وسلم- والذاهب بذلك هو واحد فقط أيضًا، ذكر حديث بلال في الآذان "حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن بلالًا ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم)) وجه الدلالة: أنا سنأكل ونشرب حتى نسمع كلام ابن أم مكتوم -رضي الله تعالى عنه- وهو واحد فقط، يخبرنا أن الفجر قد ظهر فعلينا أن نمسك عن الطعام والشراب. هذا حكم شرعي.