تفيد رفع يديه أثناء الدعاء؛ لكنها جاءت في وقائع مختلفة ومناسبات متعددة، كل قضية منها أو واقعة منها على حدة لم تبلغ حد التواتر؛ لكنّ القدر المشترك بينها وهو رفع اليدين في الدعاء قد ورد فيها جميعًا؛ كأن يروى عنه مثلًا في الحرب دعا فرفع يديه، في صلاة الاستسقاء رفع يديه ... القدر المشترك بين هذه الروايات جميعًا هو رفع الدعاء؛ فوصل الأمر بذلك إلى تواتر المعنى باعتبار مجموع الروايات المتعددة في ذلك، هذا أمر قاله الكتاني في (نظم المتناثر) وهو معروف، وقاله السيوطي في (الأزهار المتناثرة) إلخ، وقاله غيرهم في التفريق بين تعدد الواقعة وبين تواتر اللفظ، كلاهما قسم خاص؛ هذا تواتر معنوي، وهذا تواتر لفظي.
الدرجة التي يفيدها الخبر المتواتر من العلم:
حصول العلم في النفس له طرق متعددة: هناك علم وُلدنا به "علم فطري": مثلًا أن الله -عز وجل- ركز معرفتنا به في فطرنا؛ فقال سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} (الأعراف: 172) هذا أمر ولدنا به، هناك أمر نراه بالمشاهدة يتحقق به العلم القطعي اليقيني: السماء فوقنا والأرض تحتنا، هناك علم يتحقق بالبداهة: الواحد نصف الاثنين، والاستدلال عليه يكون صعبًا، والاستدلال على البدهيات يزيدها تعقيدًا:
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل
فما الدرجة التي يفيدها الخبر المتواتر من العلم؟
هل أقطع مثلًا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال هذا الحديث، أو يغلب على ظني أنه قد قاله؟
ذهب الجمهور من المحدثين والأصوليين إلى أن الحديث المتواتر يفيد العلم اليقيني