هل يُنكر أحدٌ يفهم الأدلة الواضحة أمامه في أن الله -تبارك وتعالى- قد أنزل الذكر، وأنزل بيانه بالسنة المطهرة، مع افتراض أن الذكر هو القرآن الكريم فقط على حدّ ما زعموا، قد يشغب مشاغب ويقول: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أي: الله وحده هو الذي يُبين القرآن الكريم، وليس النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس الأمة من علمائها الوارثين للنبوة، بدليل قوله -تبارك وتعالى-: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.
الرد على هذا الإشكال أو هذه المشاغبة من وجهين:
أولًا: تعارض ذلك مع القرآن الكريم: في أن الله تعالى أوكل لنبيه -صلى الله عليه وسلم- مهمة ما في القرآن الكريم، أنت إذا قلت: إن الله -تبارك وتعالى- وحده هو الذي بين القرآن الكريم ولم يبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يبينه علماء الأمة فقد تعارضت مع القرآن الكريم على الأقل فيما يتصل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن الكريم الواضح القاطع الصريح في أن الله -تبارك وتعالى- كلّف نبيّه مهمة بيان القرآن الكريم كما في قوله -تبارك وتعالى-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}، أيضًا يتعارض هذا مع قوله -تبارك وتعالى-: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} من الذي جمعه؟ لو قلت: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} (القيامة: 19) تفيد بأن الله وحده هو الذي بيّنه وليست السنة، الآية التي قبلها: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} أي: وقراءته، من الذي جمع القرآن الكريم؟ المسلمون جمعوه جمعين: في عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الجمع الأول، وفي عهد عثمان -رضي الله تعالى عنه- جمعه الجمع الثاني، في مصحف عثمان، ومعروف القصة للجميع، وهذه مسائل تدرس في علوم القرآن.
إذن، الأمة هي التي جمعت القرآن، والنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي بين القرآن الكريم للأمة من خلال السنة المطهرة.