إذن، كلمة الكتاب في القرآن الكريم تأتي بمعاني متعددة: وقد يأتي الكتاب أيضًا بمعنى القرآن، كما في قوله -تبارك وتعالى- مثلًا: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (إبراهيم: 1) وكما في قوله -تبارك وتعالى-: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين} (البقرة: 1، 2) هذا القرآن لا ريب فيه ولا شك فيه، و"ذلك" اسم إشارة للتعظيم، أيضًا: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} (آل عمران: 2، 3، 4) إلى آخر الآيات التي سياقها يحتم أنه القرآن الكريم: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين} (الأعراف: 2) السياق قاطع في أن المراد بهذا الكتاب هو القرآن الكريم.
إذن حين تتعدد معاني الكلمة في اللغة وفي الاستعمالات، فإنه من المتفق عليه عند العلماء أن السياق هو الذي يحدد المعنى المراد، لذلك نظائر كثيرة في اللغة العربية، كثير من ألفاظ اللغة العربية تتعدد معانيها، والذي يحدد المعنى هو السياق، مثلًا: كلمة "العين" تأتي في اللغة بمعاني متعددة: منها مثلًا عين الماء، منها العين الباصرة أي: أداة البصر التي خلقها الله تعالى لنبصر بها، ومنها الجاسوس؛ فمثلًا حين يقول الله -تبارك وتعالى- وهو يتكلم عن الجنة: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} (الغاشية: 12) هذه عين الماء، حين أقول مثلًا: للأعداء عين في بلادنا مثلًا -والعياذ بالله- معناها الجاسوس، حين أقول: رأيت بعيني معناها العين الباصرة أداة البصر التي نبصر بها بفضل الله -تبارك وتعالى- السياق هو الذي يحدد المعنى المراد، ولا أستطيع أن أحمل المعنى على غير ما يحتمله السياق وإلا كان ذلك فسادًا في المعنى.
فلو قلت مثلًا: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ} (الغاشية: 12، 13) والآيات تتحدث عن الجنة أقول: إن المراد بالعين هنا هي العين الباصرة!! فهذا فساد في المعنى وخلل في الفهم، لا يحق لمسلم أن يقع فيه، ومع ذلك نحن نقول {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} واضح من سياقها وهي تتحدث عن أن كل المخلوقات أمم