ومن مفهوم الإيمان بالرسول ومما يدخل تحت الإيمان به ما تعلمناه من علماء العقائد، إذ لا يكفي أن تقول: آمنت بالرسول -صلى الله عليه وسلم، إنما جزء من إيمانك وتصديقك بهذا الرسول أن تتبع ما جاء به، وإلا كيف تكون مؤمنًا به ثم لا تستجيب لحكمه، هذا يتناقض مع إيمانك به؛ لأن من جملة الإيمان به أن تعتقد أن ما جاء به من عند الله هو الحق، وهو الصدق، وهو العصمة، وهو الفلاح، وهو الخير، وهو الرشد، ولا خير في طريق سواه.
إذن، الآية وغيرها تفرض اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمقتضى الإيمان، ولذلك أسماه العلماء دليل الإيمان أي: الآيات التي طلبت من المؤمنين أن يؤمنوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتبعًا لذلك عليهم أن يُصدِّقوا، وأن يتبعوا كلَّ ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يحدث منهم عكس ذلك، وإلا كان ذلك شكًّا وارتيابًا في الرسالة والرسول معًا، وحينئذ ينتفي الإيمان -والعياذ بالله-.
ولذلك أيضًا عبارة رائعة للإمام الشافعي في رسالته يقول -رحمه الله تعالى- معلقًا على هذه الآيات في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ}: فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبعٌ له الإيمانَ بالله، ثم برسوله -صلى الله عليه وسلم- فلو آمن عبدٌ به، ولم يؤمن برسوله؛ لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدًا، حتى يؤمن برسوله معًا".
وأود أن أنبه إلى أن كلمة كمال الإيمان التي قالها الإمام الشافعي لا تدل على أن الإيمان ينعقد بغير ذلك، والمراد كمال الإيمان فقط، وليس أصل الإيمان، لا. بدليل أنه يتكلم عن الإيمان بالرسول أولًا، ويقول: "فلو آمن عبدٌ به -أي: بربه- ولم يؤمن برسوله -صلى الله عليه وسلم؛ لم يقع عليه اسم كمال الإيمان أبدًا، حتى يؤمن بالله وبرسوله معًا"، فلا بد من الإيمان، وطبعًا نحن نعلم أن الإيمان برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما