وفي الحقيقة القرآن الكريم والنبي -صلى الله عليه وسلم- نزلت عليه هذه الآيات؛ لتبين أن هناك أناسًا قد تضيع أعمارهم في الشرِّ والباطل، وهم يتصورون أنهم يحسنون صنعًا: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (الكهف: 103، 104) نسأل الله -عز وجل- أن يبصّرنا، وأن يهدينا، وألا تصل بنا العماية إلى هذا الحد المهين والعياذ بالله! فتضيع الأعمار، ويتصور أصحابها أنهم قد أفنوها في خير، أو في برّ، يظل طوال عمره يجحد السنة، ويشكك في الأحاديث، وفي هدي النبي -صلى الله عليه وسلم، ويؤلف الكتب في ذلك، وهو يتصور أنه قد يقدّم خيرًا لإسلامه، فنسأل الله العصمة والسلامة.
أيضًا، من الأحاديث التي وردت في هذا حديث رواه البخاري ومسلم، وله قصة، النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا، قالوا: أفي كل عام يا رسول الله؟ سكت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى قالها الرجل ثلاثَ مرات، ثم قال: لو قلت: "نعم" لوجبت، ولما استطعتم)) القائل هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قال: نعم؛ فقد وجبت الطاعة.
إذن، النبي -صلى الله عليه وسلم- يبين أنه يشرع وأن تشريعه يجب على الأمة، وبعد ذلك حذر الأمة فقال: ((ذروني ما تركتكم)) ما دام أنا سكت اسكتوا أنتم، ولو كان الأمر واجبًا في كل عام لبيّنته من غير سؤال؛ لأن تأخير البيان عن موضع الحاجة لا يجوز، كيف أتأخر عن بيان أمرٍ كلفني الله -تبارك وتعالى- به وهذا هو موطنه، هل كان الحج واجبًا على الناس في كل عام، أو هل يكون الحج واجبًا في كل عام، ثم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا)) ويسكت من غير أن يبين أنه في كل عام، ولذلك كان على السائل أن يتنبَّه إلى أن سكوت النبي -صلى الله عليه وسلم- دلالة على أنه ليس مفروَضًا في كل عام.