الجملة هناك في سورة الممتحنة جاءت على ترتيبها النحوي المعروف، إنما في سورة الأحزاب لم تأتِ على ترتيبها النحوي رغم أن علم النحو -كما ذكرنا- لا يمنع؛ نظرًا لأن المبتدأ -وإن كان نكرة- إلا أنه وُصف؛ إذًا فإن السبب هنا بلاغي، وهو إفادة القصر، بمعنى أن الله -عز وجل- جاء بالجملة على النسق البلاغي؛ بمعنى تقديم الخبر أولًا على المبتدأ؛ ليبين أن أسوة المسلمين وقدوتهم محصورةٌ في رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ليس من حقهم أبدًا أن يأتسوا، أو أن يقتدوا بغيره أبدًا، ولذلك {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} لكم: الخطاب لمن؟ للمؤمنين، هو لا يخاطب الذين لم يؤمنوا برسالة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} أسوتنا بمقتضى هذه الآية محصورة في النبي -صلى الله عليه وسلم، أو فيمن يبيح لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نأتسي بهم، كما في الحديث الصحيح مثلا: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)).

حين يبيح لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نأتسي بسنة الخلفاء الراشدين المهديين هل هذا متعارض مع الآية؟ لا. لأن استجابتنا لهدي الخلفاء الراشدين إنما هو اتباع للسنة من وجهين:

الوجه الأول: أن اتباعنا لهديهم هو امتثال لأمره -صلى الله عليه وسلم- الذي قال لنا ذلك: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي))، وأيضًا لأن هدي الخلفاء الراشدين لا يُخالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- بل هو تابع له؛ فاتباعنا لهم إنما هو اتباعٌ للنبي -صلى الله عليه وسلم- من هذين الوجهين معًا.

وحين تقصر الآية أسوة الأمة في النبي -صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك يوضّح بجلاء حجية السنة؛ لأننا نطرح تساؤلًا: كيف نأتسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؟ الائتساء به يكون بامتثال أمره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015