ومقالة "أبي جهل": والله إني لأعلم أن ما يقول حق, ولكن يمنعني شيء أن بني قصي قالوا: فينا الحجابة. فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا السقاية. فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا الندوة. فقلنا: نعم، ثم قالوا: فينا اللواء. فقلنا: نعم, ثم أطعموا وأطعمنا حتى إذا تحاكت الركب, قالوا: منا نبي والله لا أفعل1.
وكان عليهم أن يتفهموا ما عرضه عليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أول الأمر: "يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة 2، إني لرسول الله إليكم خاصة والناس كافة" 3.
وكان عليهم كذلك أن يتدبروا ما قاله لهم يوم أن آذوه وأهانوا أصحابه والمجاهدين بالصبر والثبات معه:
"أتسمعون يا معشر قريش! أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح".
وأخذت هذه الكلمة يومها من القوم مأخذها حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه وضاء قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم راشدا فما أنت بجهول4.