وفي رواية ابن إسحاق والمواهب: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله! قال: "الصحبة"، قالت عائشة: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ1.
كان جبريل صاحب الوحي وصاحب البراق قد استعد وتهيأت جنود السموات والأرض لحماية الموكب الوحيد في عمر الدنيا الذي ينتقل من المجتمع الظالم إلى إخوانهم في الله أصحاب الميمنة السابقين بالإيمان والفضل والمؤازرة, وكانت قريش سادرة في غيها عابثة بأحلامها مغرورة بأمانيها, فاجتمعت في "البرلمان الجاهلي" في دار الندوة, وهي كما قال في الحلبية: كانت قريش تجتمع فيها للمشاورة في أمورها, ولا يدخلها إلا من بلغ الأربعين، ولا زالت هذه الدار في يد بني عبد الدار حتى كان حكيم بن حزام, فباعها في الإسلام بمائة ألف درهم, فلامه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما, وقال: أتبيع مكرمة آبائك وشرفهم, فقال حكيم رضي الله عنه: ذهبت المكارم إلا التقوى, والله لقد اشتريتها في الجاهلية "بزق خمر", وقد بعتها بمائة ألف, وأشهدكم أن ثمنه في سبيل الله تعالى فأينا المغبون2.
في هذا البرلمان الجاهلي الذي اشتري بزق خمر, اجتمعت رءوس الجاهلية بجاذبيتها وعنفوانها تناقش الآثار التي تستتبع هجرة المسلمين