في مجد الأسرة ولا حب الديار من أجل ليلى بل تعرف العقيدة آصرة، ومحل قرابة، ووطنا لجميع المسلمين.
ثم تخطت بهذه الجماعة إلى بناء المجتمع الذي أقام أول دولة ذات أيديولوجية لا تقوم على أساس من الميراث الملكي، ولا الغلبة العسكرية، ولا على الجنس الواحد بل قامت بناء على رغبة من جميع بانيها، وعلى أساس من العقيدة التي هي آصرة الولاء والإخاء واللقاء في الله العلي العظيم.
وكان بناءو هذه الدولة هم الأمة التي خاطبها الله جل جلاله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] .
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110] .
ولئن كان الله جل جلاله قد فتح علي من فيوضات رحمته وعلمه فكتبت عن تصوري فيما يتعلق بالدعوة الإسلامية في عهدها المكي لأبرز المراحل، والوسائل، والمناهج التي أسسها سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في تبليغ الدعوة لتكون لنا أسوة ونبراسا، فسوف أحاول إن شاء الله أن أضع تصوري عن الدعوة في عهدها المدني من حيث المناهج والغايات كذلك، وكان ذلك عزمي منذ عشرة أعوام لولا أنني تركتها لعل بعض أبنائي في قسم الدعوة أو في كلياتها يكون لهم الحظ في التشرف بالاضطلاع بخدمة الدعوة في هذا الجانب. إلا أنني حتى هذا الحين لم أجد من كتب فيه. فعزمت بحول الله تعالى وقدرته على الإقدام لهذه المحاولة عسى الله جل شأنه أن يهبنا الفتوح والمدد كي أكمل خدمتي للدعوة الإسلامية في طوريها: الطور المكي الذي أقدم له بهذه المقدمة للطبعة الثالثة,