بمكة إلفي والحصيب به أخي ... وفي مصر لي نجل سقته الغمائم
وماذا عسى قلبي وعندك قدره ... فتأخذه للبين هذي المقاسم
سقى الله هيم الغرب لا بعض هامه ... كما يمنع الغمض السليم المنادم
وما كنت أسقي الغرب لو كان لم تكن ... صقلية منه وإن لام لائم
وإني منهم واحد غير أنه ... وشى بيننا واشٍ من البين غاشم
رزينا بذات البين حتى كأننا ... نرى أن من يبغي سوى البغي آثم
يغير الفتى منا على مال نفسه ... ويقتله عدواً أخوه الملائم
يجوز دليل القوم عن غير رشده ... ويمضي على المكروه من هو نادم
كما أنت مسرور بما هو جازع ... كما يبسم المحزون والقلب واجم
نجر فضول السابغات كأننا ... أراقم باضت فوقهن نعائم
كأنا فويق البر أمواج لجةٍ ... وكالريح فيهن العتاق الصلادم
معارف إلا أن تكون حواسراً ... إذا روحت يوماً ظباها الملاحم
نروح ونغدو في أمور لو أنه ... رأى بعضها ما عاود النوم حالم
فطوراً نذود الموت عنا وتارةً ... نموت كما مات الحماة الأكارم
فلو كان سلماً ذلك الحرب بيننا ... ثلاثين عاماً ضامناً منه ضائم
ونعقر، طوع المجد، كل مدجج ... يراوغه بالطعن كعب وحاتم
وكانت بلاد الروم طوع سيوفنا ... إذا رامها منا على البعد رائم
فإن نال منا الناس أو قل كثرنا ... فقد تقتل الحمى وتردي السمائم
سليني عن الإفرنج إن شئت واسمعي ... حديثاً كنشر الروض والروض ناعم
أتونا ولكن بالدروع أساوداً ... ولكن أتينا والسيوف عزائم
على كل مشكول الطريد كأنما ... قوائمه عند الطراد قوادم
إذا ما علا منا على الظهر فارس ... فليس بعيداً أن تطير القوائم
سماء وأرض من جناح وحافر ... وليل وصبح جحفل وصوارم
فلا دجن إلا أن تثور عجاجة ... ولا مزن إلا أن تجز جماجم
كأنهم قد أحجموا حين أقدموا ... وغير عجيب غابة وضراغم
كأن من الآبار كانت رجومهم ... فعادت عليهم والأنوف رواغم
كأن من الأفعال كانت جيوشهم ... ولكن عوالينا الحروف الجوازم
هو النصر حتى كل أعزل رامحٌ ... وحتى قرون الغانيات عمائم
وقد تسعد الأقوام شقوة غيرهم ... ألا رب أعراس دعتها مآتم
إذا كان لا ينجيك أنك هارب ... فلم يبق حزمٌ غير أنك هاجم
فقد يقتل المرء ابتغاء حياته ... وأكثر من يبغي المنية سالم
وطيب حياة المرء في عز موته ... وما الموت إلا أن تهون الكرائم
وقد تجهل الإنسان في بعض حلمه ... ويحمل عنك الظلم أنك ظالم
وما السيف إلا ما غراره حليه ... وإن رث منه غمده المتقادم
كأنك في دنياك ما زلت جاهلاً ... إذا كنت لم ينفعك أنك عالم
فلا تتزود غير ما أنت واجد ... إذا رحت يقظاناً كأنك نائم
وقوله من أخرى يرثي فيها أخاه، أولها:
الشمس لا تخفى على النظار ... فحذار من دار الغرور حذار
قد شفت الدنيا ولكن شرها ... لذوي البصائر لا ذوي الأبصار
إن الشباب عليك ظل زائل ... عما قريب أنت منه عار
يا من يريد بأن تطول حياته ... تلك الإطالة آفة الإقصار
لا تبغ من دنياك أن تبقى بها ... كيف القرار بغير دار قرار؟
في كل يومٍ أنت تقطع رحلةً ... كم ذا تراه يكون بعد الدار
فإذا طلبت البرء من دار الضنى ... أعطتك حظ الوعد في الأعشار
الموت لا يأتيك إلا بغتة ... فاحذر فهذا غاية الإنذار
واصبر لضرك في مصالح نفعه ... فلرب نفع جاء من إضرار
بأبي غريب بالحصيب تركته ... رهن البلى وغوائل الأسفار
يا واحداً قد كنت أحذر فقده ... لو كان ينفعني عليه حذاري
منها:
لم يكفهم أن غيبوه في الثرى ... حتى بنوا بالشيد والأحجار
يا غافلا، نزل المشيب إلى متى ... ما بعد نعي الشيب من إعذار؟
إن لم يكن لك في مشيبك واعظ ... فلرب أبيض في سواد الفار
كم قد صبحت فما فررت بمهجتي ... من غادر إلا إلى غدار