فتضمنت هاتان الآيتان: أن الاحتجاج بالقدر على المعاصي باطل من وجوه:
منها: أن هذا هو احتجاج المشركين.
ومنها: أن هذا الاحتجاج بالقدر على الشر، لم يمنعهم من عذاب الله. حيث قال: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} .
ومنها: أن الله وبخهم على ذلك، وطالبهم بالبرهان في قوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} (الأنعام: 148) . فنفى عنهم العلم وأخبر أنهم يتبعون الظن الذي لا يغني من الحق شيئا.
ومنها: أنه أخبر أن له الحجة البالغة على جميع من تجرأ على معاصيه. فمن احتج على المعاصي فهو أظلم الظالمين.
وأيضا: فهذا المحتج بالقدر، المقيم لعذر نفسه على ربه، هو يكذب نفسه بنفسه، فإنه لو تجرأ عليه أحد بتعد على ماله أو بدنه أو محبوباته، واعتذر بالقدر لم يقبل عذره، فكيف يقبل عذر نفسه على تجرئه على ربه؟! فالمحتج بالقدر على المعاصي: يكذبه الكتاب والسنة والعقل، وضميره يكذبه كما ذكرنا، وإنما يقصد باحتجاجه دفع الشناعة عن نفسه.
وكانت طائفة القدر في أول أمرهم ينكرون العلم، وينكرون القدر1 فيقولون: إن الله لا يعلم أعمال العباد قبل أن يعملوها، ولا تعلقت بها