فَلَمَّا كتب لَهُم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابهمْ أَمر عَلَيْهِم عُثْمَان بْن أبي العَاصِي، وَكَانَ أحدثهم سنا، وَرَآهُ أحرصهم على تعلم الْقُرْآن وَشَرَائِع الْإِسْلَام. وَأمره أَن يُصَلِّي بهم وَأَن يقدرهم بأضعفهم وَلَا يطول عَلَيْهِم1. وَأمره أَن يتَّخذ مُؤذنًا لَا يَأْخُذ على أَذَانه أجرا وَبعث مَعَهم أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب والمغيرة بْن شُعْبَة لهدم الْأَوْثَان والطاغية وَغَيرهَا، فَأَقَامَ أَبُو سُفْيَان فِي مَاله2 بِذِي الهزم3، وَقَالَ للْمُغِيرَة: ادخل أَنْت على قَوْمك. فَدخل الْمُغيرَة. وَشرع4 فِي هذم الطاغية وَهِي اللات. وَقَامَ5 دونه قومه بَنو معتب خشيَة أَن يُرْمَى كَمَا رُمِيَ عُرْوَة بْن مَسْعُود، وَخرج نسَاء ثَقِيف يبْكين اللات حسرا6 ويَنُحْنَ عَلَيْهَا. فَهَدمهَا الْمُغيرَة وَأخذ مَالهَا وحليها.
وَقد كَانَ أَبُو مليح بْن عُرْوَة [بْن7 مَسْعُود] وقارب بْن الْأسود قدما على رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وَفد ثَقِيف حِين8 قتل عُرْوَة بْن مَسْعُود يُريدَان فِرَاق ثَقِيف وَأَن لَا يجامعاهم على شَيْء أبدا، فَأَسْلمَا. وَقَالَ لَهما: "توليا من شئتما" فَقَالَا: نتولى اللَّه وَرَسُوله. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وخالكما أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب" [فَقَالَا9: وخالنا أَبَا سُفْيَان بْن حَرْب] .
فَلَمَّا أسلم أهل الطَّائِف وَوجه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَان والمغيرة إِلَى هدم الطاغية سَأَلَ أَبُو مليح بْن عُرْوَة بْن مَسْعُود [رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَن يقْضِي دين [أَبِيه] عُرْوَة من مَال الطاغية. وَسَأَلَ قَارب بن الْأسود مثل ذَلِك. وَالْأسود وَعُرْوَة أَخَوان لأَب وَأم. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للْمُغِيرَة وَأبي سُفْيَان: "اقْضِيَا دَيْنَ عُرْوَةَ مِنْ مَالِ الطَّاغِيَةِ".
فَقَالَ قَارب: يَا رَسُول الله [و] دين الْأسود. فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِن الْأسود مَاتَ مُشْركًا". فَقَالَ قَارب: يَا رَسُول اللَّه لَكِن تَصِلُ مُسلما ذَا قرَابَة يَعْنِي نَفسه إِنَّمَا الدَّيْنُ عَلَيَّ وَأَنا الَّذِي أطلب بِهِ. فَأمر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَضَاء دين الْأسود بْن مَسْعُود من مَال الطاغية. فَقضى أَبُو سُفْيَان والمغيرة دين الْأسود وَعُرْوَة ابْني مَسْعُود من مَال الطاغية.