ولهذا كان للتعليم سن محدود غالبا، إذا تجاوزه الصبي مهملا، غير متعاهد بالتربية الحسنة والتعليم النافع صار تأديب المؤدب له مما لا فائدة فيه، ومن العبث الذي لا ينجح، ولا يأتي بطائل.
قد ينفع الأدب الأحداث في صغر وليس ينفعهم من بعده الأدب
فإن تعليم الولد في صغره، عبارة عن تغذية روحه، بما تتهذب به أخلاقه، وتزكو بشمائله، وتحسن مقاصده؛ بحيث يكون ميله إلى الخير ومحبته له، ونفرته من الشر وبغضه له، ملكة في نفسه. وهذه التغذية النافعة، إن لم تكن أنفع وأجل من تغذية البدن، بما يقوى بها البدن، وتنمو بها الأعضاء، فليست دونها؛ مع أن الكمال الإنساني لا يتوقف على بسطة واعتدال البدن، التي هي ربما أنها نتيجة التربية الجسدية. فإن من الناس من قوته الأسودان التمر والماء، وشيء من خبز وشعير ونحوه، ولم يكونوا ممن يتهيأ لهم نفيس المطاعم والمشارب، بل على شظف من العيش وقلة من الدنيا، ومع هذا دانت لهم أعناق الملوك الصيد، وذلت لهيبتهم الأعزة.
أتظن أنهم نالوا ذلك بحسنهم وجمالهم ونفيس