وتعاليمه، أمرا ونهيا واعتقادا، أنبتت تلك التربية والتعليم رجالا ذوي نصح وأمانة، وخبرة ووفاء، وصدق وإخاء، واتحاد في الكلمة. بهم تستقيم الأمة، وتنتظم أمورها الدينية والدنيوية، وأعادوا بمساعيهم السامية، كل خير ونفع للبلاد والأمة، فأجدر بهم أن يكونوا غررا في جبين التأريخ، لأن فلاح الأمة في صلاح أعمالها، وصلاح أعمالها في صحة علومها، وصحة علومها منتج لرجال أمناء مخلصين فيما يعملون.
وإن كانت التربية والتعليم بعكس ذلك، خابت الآمال، وفسد الدين والدنيا، وأصبحوا في جهل وفقر وحالة سيئة، كمن مس العلم بقرحه، ووضع في سبيل فلاح الأمة حجر عثرة يعرفه كل عاقل.
لأنه أمر معلوم، لا يحتاج إلى دليل من أن الصبي إذا بلغ مبلغ الرجال، صارت أعماله وأحواله على مثل ما نشأ عليه وتربى به، وتعلمه في الصغر؛ فهو إنما ينسج على المنوال الذي عرفه في صباه.
وقد علم أن أول شيء يقع عليه نظر حديث السن، يأخذ من قلبه المكان الأول، ويصادف منه قلبا خاليا من الشواغل، فينطبع في ذاكرته ويتمكن منه، ولا يتحول منه إلى غيره غالبا.