على أن خوف الفتنة بالدعوة إلى الله وإظهار الدين، إذ لا فتنة تتوقع للساكت حتى في بلاد الروم; أفلا يستحي العاقل من حمل عبارات العلماء على مجرد فهمه، من أن فعل العبادات، غير المعتقد، هو إظهار الدين؟! فالله المستعان.

ولو سلم هذا لانحلت عروة شعبة الهجرة من أصلها، ولما أطلق الماوردي ما هو مسلم في الجملة، من أن من رجا دخول غيره في الإسلام جاز له ذلك، أنكر عليه هذا الإطلاق ونوزع فيه، كما تقدم.

وأما نقله عن الماوردي والحافظ، كلاهما على قول عائشة: (لا هجرة اليوم، كان المؤمن يفر بدينه إلى الله ورسوله، مخافة أن يفتن عليه، فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام) ، فكلام عائشة صريح في أن العلة التي من أجلها كان المؤمن يفر بدينه زالت بظهور الإسلام، ونحن نقول بموجب ذلك; ومفهوم الحافظ ليس هو مقتضى كلام عائشة، إن كان على ما زعم المجيز مع أنه لمجرد العبارة، وفي النقل تصرف مخل، لا ينبغي لطالب العلم; وأنا أسوق لك العبارة من أصلها، لتعلم أن هذا العلم دين.

قال الحافظ: إشارة عائشة إلى بيان مشروعية الهجرة، وأن سببها خوف الفتنة، والحكم يدور مع علته، فمقتضاه أن من قدر على عبادة ربه، في أي موضع كان اتفق، لم تجب عليه الهجرة; ومن ثم قال الماوردي: إذا قدر على إظهار دينه، في بلد من بلاد الكفر، فقد صارت البلد به دار إسلام، انتهى كلام الحافظ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015