وأخذوا عشرا بمكة لم تفرض عليهم صلاة ولا زكاة، ولا صوم ولا حج، وكذلك أحكام الهجرة والجهاد؛ كل هذا إنما نزل بعد ذلك بعد البعثة.
الوجه الثالث: أن النجاشي أسلم، وطائفة من قومه كذلك أسلموا، فلهم حكم الظهور، وذلك معروف في السير والتفسير؛ فإذا ظهر الإسلام في بلد، لم تحرم الإقامة بها على من صان دينه، وأظهره. وكذلك جعفر وأصحابه، صان الله دينهم بما جرى لهم من النجاشي، قال: من سبكم غرم; فمن تابعهم في تلك البلاد قبلوا منه، ومن لم يتابعهم لم يتبعوه، ولم يلتفتوا إليه، فأظهروا دينهم على رغم من كره.
والآية لا تتناول مثل هؤلاء - بحمد الله - بحيث لم تحصل منهم موادة لمشرك، ولا موافقة لهم؛ فأين هذا ممن يواد المشركين، ويظهر لهم محبتهم ومعاشرتهم؟ فهذا الذي لا يبقى معه إيمان.
وأما مؤمن آل فرعون، فحذر وأنذر، ودعاهم بالترغيب والترهيب، وخوفهم من الكفر والتكذيب، قال الله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} [سورة غافر آية: 45] الآية؛ فأخرجه الله منهم، ونجا مع بني إسرائيل لما أغرق آل فرعون، فسبحان الله! أين ذهب عقل هذا الرجل؟ فلا يدري ما يقول، ففاته من العلم المعقول والمنقول.