" لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم " 1.

أقول: لا ريب أن المطابقة وقعت منه ولا بد، لكنها في المنهي عنه، لا النهي، فالذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإطراء، طابقته الأبيات من قوله:

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك ... إلى آخرها.

فقد تضمنت غاية الإطراء والغلو الذي وقعت فيه النصارى وأمثالهم; فإنه قصر خصائص الإلهية والربوبية التي قصرها الله على نفسه، وقصرها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصرفها لغير الله; فإن الدعاء مخ العبادة، واللياذ من أنواع العبادة.

وقد جمع في أبياته الاستعانة والاستغاثة بغير الله، والالتجاء والرغبة إلى غير الله؛ فإن غاية ما يقع من المستغيث والمستعين والراغب، إنما هو الدعاء، واللياذ بالقلب واللسان؛ وهذه هي أنواع العبادة التي ذكرها الله تعالى في مواضع كثيرة من كتابه، وشكرها لمن قصرها على الله، ووعده على ذلك الإجابة والإثابة، كقوله تعالى: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [سورة غافر آية: 65] ، وقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر آية: 60] ، وقوله: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا} [سورة الجن آية: 19-20-21-22] الآية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015