وهذا لم يفعله الصحابة بعد موته، ولا في مغيبه، والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعا لهم داعيا، ولهذا قال في حديث الأعمى: "اللهم فشفعه في"; فعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم شفع له، فسأل الله أن يشفعه فيه.

والثاني: أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون في حياته وبعد وفاته، انتهى كلام الشيخ رحمه الله تعالى; فتبين بهذا: أن معناه التوسل إلى الله بدعائه وشفاعته في حضوره، أو التوسل بذاته أن يسأل الله بجاهه. والتوسل غير الاستغاثة، فإنه لم يقل أحد إن من قال: اللهم إني أسألك بحق فلان، أنه استغاث به؛ بل إنما استغاث بمن دعاه.

بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور، كقول أحدهم: أتوسل إليك بحق الشيخ فلان، أو بحرمته، أو نحو ذلك مما يقولونه في أدعيتهم، يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور؛ فإن المستغيث بالشيء طالب منه سائل له، والمتوسل به لا يدعى، ولا يسأل ولا يطلب منه; وإنما يطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به.

والاستغاثة هي طلب الغوث، وهو إزالة الشدة، كالاستنصار طلب النصر، والاستعانة طلب العون، فكل أحد يفرق بين المسؤول والمسؤول به. فالحديث على هذا المعنى، الذي ذهب إليه ابن عبد السلام، لا حجة فيه لمن جوز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015