وإما أن يقول: إن ذلك يدل على أن دعاء الموتى شرك أصغر لا أكبر؛ ومن قال ذلك فقد تناقض في استدلاله، حيث استدل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر به على ما نهى عنه؛ وكيف يسوغ لمن يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يستدل بأمره على نهيه؟
ثم يقال: لهذا المستدل بقوله: فليقل: "يا عباد الله احبسوا" أخبرنا عن هذا الأمر، هل هو للوجوب، أو الاستحباب أو الإباحة؟ وهي أقل أحواله، وأما ما كان مكروها أو محرما، فلا يكون فيما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فما وجه الاستدلال؟
الوجه الرابع: أن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه من رواية معروف بن حسان، وهو منكر الحديث؛ قاله ابن عدي.
الوجه الخامس: أن يقال: إن صح الحديث فلا دليل فيه على دعاء الميت والغائب؛ فإن الحديث ورد في أذكار السفر; ومعناه: أن الإنسان إذا انفلتت دابته وعجز عنها، فقد جعل الله عبادا من عباده الصالحين، أي صالحي الجن أو الملائكة، أو ممن لا يعلمه من جنده سواه {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [سورة المدثر آية: 31] .
أما خبر النبي صلى الله عليه وسلم إن لله عبادا قد وكلهم لهذا الأمر، فإذا انفلتت الدابة، ونادى صاحبها بما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث حبسوا عليه دابته؛ فإن هؤلاء عباد لله أحياء، قد