فليتأمل العاقل، وليبحث الناصح لنفسه عن السبب الحامل لقريش على إخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من مكة، وهي أشرف البقاع؛ فإن من المعلوم: أنهم ما أخرجوهم إلا بعد ما صرحوا لهم بعيب دينهم، وضلال آبائهم، فأرادوا منه صلى الله عليه وسلم الكف عن ذلك، وتوعدوه وأصحابه بالإخراج. وشكا إليه أصحابه شدة أذى المشركين لهم، فأمرهم بالصبر والتأسي بمن كان قبلهم ممن أوذي، ولم يقل لهم: اتركوا عيب دين المشركين، وتسفيه أحلامهم. فاختار الخروج بأصحابه، ومفارقة الأوطان، مع أنها أشرف بقعة على وجه الأرض. {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرا} [سورة الأحزاب آية: 21] ، {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} [سورة النساء آية: 100] . نعم، إن كانت ولاية أهل الإسلام عليكم ضافية، وأوامرهم فيكم نافذة، وأيدي أهل الشرك والضلال عنكم قاصرة، ولم يبق إلا جفاء في الفروع، وتقصير في بعض الواجبات، ونحو ذلك، ففي مثل هذه الحال، قد تكون الهجرة مستحبة في حق بعض الناس; فإن كان في إقامة الإنسان تخفيف للشر، وتكثير للخير، فربما يترجح في حقه الإقامة، إذا لم يخف على دينه من الفتن. وبما ذكرناه يظهر للمتأمل ما يصلح دينه، والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015