وأما ما ذكرت من سياقة قول ابن كثير: أن الهجرة لا تجب إلا على من لا يقدر على إظهار دينه ... إلخ، فهذا معنى ما ذكره العلماء في كتبهم، وهذا لا نزاع فيه عند أكثر العلماء؛ ولكن عرفنا من لم تجب عليه الهجرة بإظهار دينه وهو آمن بذلك، معروف فيكم لم يستهزئ بأهل الإسلام، أو لم يركن إلى من استهزأ بهم، ويعين أهل الباطل بلسانه; فيا ليت شعري من هو الذي فيكم يظهر دينه؟
وقد كنت أسأل عمن كنت أرى لهم معرفة، فما أخبرني أحد عنهم بما يسرني في ذلك، وهذه فتنة عمت فأعمت وأصمت؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون. فإن كنت ترى أن اعتراضك على من استدل بالآيات والأحاديث على تحريم موالاة المشركين، إظهار للدين، فالمصيبة أعظم، ولا أخالك تسلم من ذلك لقوله: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} [سورة الأنعام آية: 9] ؛ وأنى لك بالسلامة وقد زلت بك القدم.
ثم، إن ما ذكرته عن ابن كثير، يناقض ما كنت تدعيه من أنكم على الإسلام والتوحيد؛ فإذا كنتم على الإسلام والتوحيد حقيقة، فلأي شيء يقال: تجب الهجرة أو لا تجب؟ فلا محل لقول ابن كثير وغيره، هذا إنما يذكر في حال أهل بلد ليسوا على الإسلام، وفيهم من يظهر دينه باعتزالهم في مجالسهم وأسواقهم ومجامعهم، ويظهر البراءة منهم ومن أعمالهم، ويصبر على أذاهم.