وهي: أن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يهاجر من غير شك في الدين، ولكن محبة الأهل والمال والوطن، فلما خرجوا إلى بدر، خرجوا معهم كارهين، فقُتل بعضهم بالرمي، والرامي لا يعرفه، فلما سمع الصحابة، رضي الله عنهم أن من القتلى فلاناً وفلاناً، شق عليهم، وقالوا: قتلنا إخواننا، فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآيات [سورة النساء آية: 97] ؛ فمن تأمل قصتهم، وتأمل قول الصحابة: قتلنا إخواننا، فإن الله قد بين لهم وهم بمكة قبل الهجرة، أن ذلك كفر بعد الإيمان، بقوله: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} الآيات [سورة النحل آية: 106] .
وأبلغ من هذا: كلام الله فيهم، فإن الملائكة تقول لهم: فيم كنتم؟ ولم يقولوا: كيف تصديقكم؟ ولما قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، لم يقولوا: كذبتم، مثل ما يقول الله والملائكة للمجاهد الذي يقول: قاتلت فيك حتى قتلت، فيقول الله: كذبت، بل قاتلت ليقال جريء; وأما هؤلاء فلم يكذبوهم، بل أجابوهم: {قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [سورة النساء آية: 97] .
ويزيد ذلك إيضاحاً للعارف والجاهل: الآية التي بعدها، وهي قوله: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} الآية [سورة النساء آية: 98] ، وهذا واضح جداً: أن هؤلاء هم الذين