المسلمين أن المكفوف يقلد من يثق بخبره في القبلة، لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك.
ولكن من كانت هذه حاله، هل يجوز له الفتوى في شرائع دين الله؟ فيحمل غيره على إباحة الفروج، وإراقة الدماء، واسترقاق الرقاب، وإزالة الأملاك، يصيرها إلى غير من كانت في يده بقول لا يعرف صحته ولا قام له الدليل عليه، وهو مقر أن صاحبه يخطئ ويصيب، وأن مخالفه في ذلك ربما كان المصيب فيما يخالفه فيه؛ فإن أجاز الفتوى لمن جهل الأصل والمعنى، لحفظه الفروع، لزمه أن يجيزه للعامة، وكفى بذلك جهلاً ورداً للقرآن، قال الله عز وجل: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [سورة الإسراء آية: 36] ، وقال تعالى: {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [سورة الأعراف آية: 28] .
وقد أجمع العلماء: على أن ما لم يتبين ولم يستيقن، فليس بعلم; وإنما هو ظن، والظن لا يغني من الحق شيئاً؛ ثم ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنه: "من أفتى بفتيا، وهو يعمى عنها، كان إثمها عليه "، موقوفاً ومرفوعاً، قال: وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم والظن! فإن الظن أكذب الحديث " 1، قال: ولا خلاف بين أئمة الأمصار في فساد التقليد. انتهى كلام أبي عمر، رحمه الله تعالى.
فتأمل ما في هذا الكلام من الرد على من يقول