فإن قال: قلدته لأني أعلمه على صواب، قيل له: علمت ذلك من كتاب الله، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع؟ فإن قال: نعم، أبطل التقليد، وطولب بما ادعاه من الدليل؛ وإن قال: قلدته لأنه أعلم مني، قيل له: فقلد كل من هو أعلم منك، فإنك تجد من ذلك خلقاً كثيراً، ولا تخص من قلدته، إذ علتك فيه أنه أعلم منك.

فإن قال: قلدته لأنه أعلم الناس، قيل له: فهو إذاً أعلم من الصحابة، رضي الله عنهم؛ فكفى بقول مثل هذا قبحاً; فإن قال: أنا أقلد بعض الصحابة، قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلد منهم؟ ولعل من تركت منهم أفضل ممن أخذت بقوله، على أن القول لا يصح بفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.

وقد ذكر ابن معين عن عيسى بن دينار عن القاسم عن مالك، قال: ليس كلما قال الرجل قولاً - وإن كان له فضل - يتبع عليه، لقوله عز وجل: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [سورة الزمر آية: 18] . فإن قال: قصري وقلة علمي تحملني على التقليد، قيل له: أما من قلد فيما ينزل به من أحكام الشريعة عالماً يتفق له على علمه، فيصدر في ذلك عما يخبره به، فمعذور، لأنه قد أتى ما عليه، وأدى ما لزمه فيما نزل به لجهله، ولا بد له من تقليد عالم فيما جهله، لإجماع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015