ولا يتكلم بمشيئته واختياره; وتكليمه لمن كلم من خلقه، كموسى وآدم، ليس إلا خلق إدراك ذلك المعنى لهم؛ فالتكلم هو خلق الإدراك فقط.
ثم منهم من يقول: السمع يتعلق بذلك المعنى وبكل موجود، فكل موجود يمكن أن يرى ويسمع، كما يقوله أبو الحسن. ومنهم من يقول: بل كلام الله لا يسمع بحال، لا منه ولا من غيره إذ هو معنى، والمعنى يفهم ولا يسمع، كما يقوله أبو بكر ونحوه. ومنهم من يقول: إنه يسمع ذلك المعنى من القارئ، مع صوته المسموع منه، كما يقول ذلك طائفة أخرى. وجمهور العقلاء يقولون: إن هذه الأقوال معلومة الفساد بالضرورة، وإنما ألجأ إليها القائلين بها ما تقدم من الأصول التي استلزمت هذه المحاذير; وإذا انتفى اللازم، انتفى الملزوم.
وكذلك من قال: لا يتكلم إلا بأصوات قديمة أزلية ليست متعاقبة، وهو لا يقدر على التكلم بها، ولا له في ذلك مشيئة ولا فعل، من أهل الحديث والفقهاء، وأهل الكلام، المنتسبين إلى السنة; فجمهور العقلاء يقولون: إن قول هؤلاء معلوم الفساد بالضرورة; وإنما ألجأهم إلى ذلك اعتقادهم أن الكلام لا يتعلق بمشيئة المتكلم وقدرته، مع علمهم بأن الكلام يتضمن حروفا منظومة، وصوتا مسموعا من المتكلم; وأما من قال: إن الصوت المسموع من القارئ