وكذلك إذا قالوا: إن الله مُنَزّه عن الحدود، والأحياز، والجهات، أوهموا الناس أن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات، ولا تحويه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح; ومقصودهم أنه ليس مباينا للخلق، ولا منفصلا عنه، وأنه ليس فوق السماوات رب، ولا على العرش إله، وأن محمدا لم يعرج به إليه، ولم يَنْزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب إليه بشيء، ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء ولا غيره، ونحو ذلك من معاني الجهمية.

وإذا قالوا: إنه ليس بجسم، أوهموا الناس أنه ليس من جنس المخلوقات، ولا مثل أبدان الخلق; وهذا المعنى صحيح; ولكن مقصودهم بذلك أنه لا يرى، ولا يتكلم بنفسه، ولا يقوم به صفة، ولا هو مباين للخلق، وأمثال ذلك; وإذا قالوا: لا تحله الحوادث، أوهموا الناس أن مرادهم أنه لا يكون محلا للتغيرات والاستحالات، ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين، فتحيلهم وتفسدهم، وهذا معنى صحيح؛ ولكن مقصودهم بذلك أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه، ولا له كلام، ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه لا يقدر على استواء، أو نزول، أو إتيان، أو مجيء، وأن المخلوقات التي خلقها، لم يكن منه عند خلقها فعل أصلا; بل عين المخلوقات هي الفعل، ليس هناك فعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015