استوى بمعنى استولى، أو بمعنى علو المكانة والقدر، وكقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [سورة المائدة آية: 64] أي: نعمتاه، نعمة الدنيا، ونعمة الآخرة، ونحو ذلك مما قد عرف من مذهب المتكلمين، فهؤلاء نفاة الصفات.

ومذهبهم مأخوذ عن جهم بن صفوان؛ فإن أول من حفظ عنه إنكار الصفات هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها، فنسبت مقالة الجهمية إليه; والجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت عن لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم. وكان انتشار مقالة الجهمية في المائة الثانية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته; وكلام الأئمة، مثل مالك، وسفيان بن عيينة، وأبي يوسف، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم، في ذمه وتضليله كثير جدا.

وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس، هي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي في كتابه، وتلقاها عنه الخلف، ونصروها، وقرروها; وكثير منهم يحكي القولين، فيذكر مذهب السلف ومذهب الخلف; ثم يقول: مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أعلم وأحكم، فصدق في قوله: مذهب السلف أسلم; وكذب وافترى في قوله: ومذهب الخلف أعلم وأحكم; بل مذهب السلف أسلم، وأعلم، وأحكم، كما تقدم تقريره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015