والحاصل: أن طلب الحيّ من نفسه أمر معقول يعلمه كل واحد من نفسه، بدليل أنه يأمرها وينهاها، قال تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى، والأمر والنهي طلب، فتصوّرا من الإنسان لنفسه بالنص، فكذا بقية أنواع الطلب.
وحكمة مجيئه في حقه تعالى بلفظ التنكير، مع كون التعريف في حق العبد أفضل، بل واجب في سلام التحلل من الصلاة.. أن في صدوره منه تعالى على من مرّ غاية التعظيم والتشريف لهم، فلم يحتج إلى مؤكد بخلافه من العبد؛ فإنه لم يقترن به ما يغني عن طلب تأكيده بالتعريف، فكان أولى في حقه، بل يلزمه فيما مرّ للاتباع، مع عدم قيام المنكّر مقام المعرّف.
ويأتي السلام أيضا بمعنى: السلامة من النقائص، وهو العصمة، وبمعنى السلام الذي هو اسم من أسمائه تعالى؛ فمعنى السلام على محمد صلى الله عليه وسلم على الأول: اللهمّ سلّمه من النقائص، وعلى الثاني: حفظ السلام- أي: الله- عليه؛ أي: اللهمّ احفظه، فهو على حذف مضاف، ومعناه على أنه بمعنى الانقياد: اللهم صيّر العباد منقادين مذعنين له صلى الله عليه وسلم ولشريعته.
قال ابن دقيق العيد في «شرح الإلمام» : (قد يتمحض السلام لمعنى التحية ولمعنى الانقياد، وقد يتردد بينهما كقوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً أي: التحية أو السلامة، وكقوله: وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ. سَلامٌ، فإذا أبدل سلام من «ما» .. احتمل الأمرين أيضا؛ أي:
لهم سلامة أو تحية من الله تعالى أو ملائكته) اهـ
وفي السلام من أسمائه تعالى ستة أقوال:
أي: ذو السلامة من كل آفة ونقيصة؛ أي: من كل وجه ذاتا وصفة وفعلا، فيكون من أسماء التنزيه.