دونه، وأمر المؤمنون بهما؛ لأن له معنيين: التحية والانقياد، فأمرنا بهما لصحتهما منا، ولم يضف هو لله تعالى ولا لملائكته؛ حذرا من إيهام أنه فيهما بمعنى الانقياد المستحيل في حقهما.
وقد يقال أيضا: الصلاة منهما متضمنة للسلام بمعنى التحية الذي لا يتصور منهما غيره، فكان في إضافة الصلاة إليهما استلزام لوجود السلام منهما بهذا المعنى، وأما الصلاة منا.. فهي وإن استلزمت التحية أيضا، إلا أنا مخاطبون بالانقياد، وهي لا تستلزمه، فاحتيج إلى التصريح به فينا؛ لأن الصلاة لا تغني عن معنييه المتصوّرين في حقنا المطلوبين منا، وهذا أولى مما قبله؛ لأن ذلك يرد عليه قوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ، وقوله: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ ولا يرد هذان على ما ذكرته، فتأمله.
وبما تقرر من أن السلام يأتي بمعنى التحية- وهذا هو المراد من سلام الله تعالى على أنبيائه-.. اندفع استشكال سلام الله تعالى عليهم بأنه دعاء، وهو لا يتصور من الله تعالى؛ لأنه الطلب، والله تعالى مدعو ومطلوب منه، لا داع وطالب.
وسقط أيضا قول بعضهم: (هذا إشكال له شأن، فينبغي الاعتناء به، ولا يهمل أمره، فقلّ من يدرك سرّه) ، وجوابه: أن الطلب يتضمن ثلاثة:
طالبا، ومطلوبا، ومطلوبا منه؛ فهذه الثلاثة أركان، وتغايرها ظاهر في الطالب لشيء من غيره، أما الطالب لشيء من نفسه.. فيتّحد فيه الطالب والمطلوب منه، وهذا هو الموجب لغموض هذه المسألة؛ لأن حقيقة الطالب مغايرة لحقيقة المطلوب منه، فيتعذر طلب الإنسان من نفسه، وكشفه: أن الطلب من باب الإرادات، والمريد كما يريد من غيره أن يفعل شيئا، فكذلك يريد من نفسه هو أن يفعله، والطلب النفسي وإن لم يكن الإرادة، فهو أخص منها، وهي كالجنس له، فكما يعقل أن المريد يريد من نفسه.. فكذلك يطلب منها؛ إذ لا فرق بين الطلب والإرادة.