فاستغنمت بوديسيا فرصة غياب سويتونيوس باولينوس الحاكم الروماني من تلك الجهة من إنكلترا وجمعت كل القوة العسكرية من شيعتها البرابرة وثارت في مقدمتهم على مستعمرة لندن الرومانية وقتلت بالسيف في تلك المستعمرة والأماكن المجاورة لها سبعين ألفا على الأقل من الرومان والتجار والإيطاليان، وغيرهم من رعايا الملكة، فبادر سويتونيوس إلى محل تلك القطائع، وكان تحت قيادة ملكة ألايسينه 120 ألف جندي وكان عددهم يتزايد شيئا فشيئا حتى بلغوا 230 ألفا حال كون سويتونيوس لم يكن قادرا أن يأتي إلى ميدان القتال بعشرة آلاف جندي فانتشبت نيران القتال، وأظهرت بوديسيا شجاعة عظيمة، ولما قهرت العساكر الرومانية المنتظمة عساكرها أخذت سما وابتلعته فماتت به، وأما الغالبون فلم يعفوا عن شيء فإنهم قطعوا الأولاد والدواب والكلاب جميعا إربا. ويقال: إنه ذبح في ذلك اليوم ثمانون ألف بريتوني وأما العساكر الرومانية فلم يقتل منها إلا 400 شخص وجرح بقدرهم.
كانت من أحسن نساء بني الترك والفرس وملكت الناس بعد شهريار بن أبرويز وأصلحت القناطر والجسور، وردت خشبة الصليب إلى ملك الروم، ولما جلست على السري قالت: ليس ببطش الرجل تدوخ البلاد، ولا بمكايدهم ينال الظفر وإنما ذلك بعون الله وقدرته وأقامت سبعة أشهر ويقال: إن فيروز بن رستم صاحب خراسان خطبها فقالت: لا ينبغي للملكة أن تتزوج علانية وواعدته أن يقدم عليها سرا في ليلة عينتها له فجاءها في تلك الليلة فقتلته، فسار إليها رستم فقتلها، وذلك بخبر طويل في تاريخ الفرس.
كانت أحسن نساء زمانها وأجملهن وأكرمهن أخلاقا، وأفضلهن أدبا وأوفرهن عقلا، لها إلمام بصناعة الطرب. تربت في بيت أبيها أحسن تربية، وخالطت نساء الرشيد، واكتسبت من آدابهن.
ولما ولي المأمون الخلافة افتتن بها وخطبها من أبيها الحسن، وكان وزيره بعد أخيه الفضل بن سهل، وقد زفت إليه بناحية فم الصلح (بلدة من العراق) في شهر رمضان سنة 210 هجرية.
فلما دخل عليها كانت عنده حمدودة بنت الرشيد وزبيدة بنت جعفر وأم الفضل والحسن جدة بوران فنثرت عليه أم الفضل ألف لؤلؤة من أنفس ما يكون فأمر بجمعها فجمعت فأعطاها لبوران وقال: هذه نحلتك وسلي حوائجك، فأمسكت فقالت لها جدتها: سلي سيدك، فقد أمرك أن تسأليه، فسألته الرضا عن إبراهيم بن المهدي فقال: قد فعلت وسألته الإذن لزبيدة في الحج فأذن لها وبنى بها في ليلته وأوقدوا في تلك الليلة شمعة عبروا وزنها أربعين منا، وأنفق الحسن على المأمون مالا جزيلا قيل: إنه أقام عند الحسن تسعة عشر يوما يعد له في كل يوم ولجميع من كان معه ما يحتاجون إليه، فكان مبلغ النفقة عليه خمسين ألف ألف درهم، وأمر له المأمون عند منصرفه بعشرة آلاف ألف درهم، وأقطعه فم الصلح - المذكورة - فجلس الحسن وفرق المال على قواده وحشمه وعسكره.
وقيل: احتفل أبوها بأمرها وعمل من الولائم والأفراح ما لم يعهد مثله في عصر من الأعصر فإنه نثر على الهاشميين والقواد والوجود بنادق مسك فيها رقاع بأسماء ضياع وجوار ودواب وغير ذلك فكانت النبدقة إذا وقعت بيد رجل فتحها فيقرأ ما في الرقعة فإذا علم ما فيها ذهب إلى الوكيل المرصد لذلك فيدفعها إليه ويستلم ما فيها، ثم نثر على سائر الناس الدنانير والدراهم، ونوافج المسك، وبيض العنبر على