سوداء وبيضاء تقتتلان، وقد ظفرت السوداء على البيضاء، فأمر بقتل السوداء وحمل البيضاء وصب علها ماء حتى أفاقت، فأطلقها وعاد إلى داره فجلس منفردا، وإذا بجانبه شاب جميل فذعر منه فقال له: لا تخف أنا الحية التي أنجبتها وإني مكافئك بالمال أو علم الطب.

فقال: أما المال فلا حاجة لي به وأما الطب: فقبيح بالملوك ولكني أختار إن كان لك ابنة أن أخطبها إليك فأجابه بشرط أن لا يغير عليها شيئا تعمله فإذا غير عليها فارقته وشرط أيضا أن تعطيه ساحل البحر ما بين يبرين إلى عدن فأذعن لذلك، ثم تزوج بالجنية فولدت له غلاما وألقته في النار فجزع لذلك، ولكنه سكت للشرط، ثم ولدت جارية فألقتها إلى كلبة فعظم عليه الأمر ولكنه صبر، ثم عصى عليه بعض أصحابه فجمع عسكره فسار ليقاتله وهي معه، فلما صاروا في مفازة رأى جميع مامعهم من الزاد يخلط بالتراب والماء ينصب من أفواه القرب فأيقن بالهلاك وعلم انه فعل الجن بأمر زوجه فضاق ذرعا عن حمل الجور فأتى وجلس أمامها وأومأ إلى الأرض وقال: يا أرض صبرت لك على إحراق ابني وإطعام ابنتي للكلب، ثم الآن قد فجعتنا بالزاد والماء حتى أشرفنا على الهلاك فقالت له: لو صبرت لكان خيرا لك فإن عدوك خدع وزيرك فجعل السم في الزاد والماء وتحقيق ذلك أنه يمتنع من شرب شيء من الماء الفاضل، فأمر وزيره بالشرب، فامتنع، فقتله، ثم دلته على نبع وميرة يمتارها ثم قال: وأما ابنك فقد سلمته إلى حاضنة تربيه وقد مات، وأما ابنتك فهي باقية وإذا بجويرية قد خرجت من الأرض وهي بلقيس وفارقته زوجته وسار إلى عدوه فظفر به وفوض إليها أبوها الملك فملكت بعده.

وقيل: بل مات بلا وصية. فاختلف النسا بعد موته، وافترقوا فرقتين: فرقة بايعتها، وفرقة بايعت ابن أخ أبيها. فساء السيرة في الرعية وكان فاحشا خبيثا فاسقا لا يبلغه عن بنت جميلة إلا أحضرها وهتكها، فأراد قومه خلعه فلم يقدروا، فلما رأت بلقيس ذلك أخذتها الغيرة وقد طلب منها الحضور غليه فقال له: بل احضر أنت عندي واعدت له رجلين يقتلانه إذا دخل قصرها، فلما حضر قتلاه فأحضرت وزراءه ووبختهم وقالت: أما كان فيكم من يأنف لكريمته وكرائم عشيرته، ثم أترهم إياه قتيلا وقالت: اختاروا رجلا تملكونه فقالوا لا نرضى بغيرك.

وقيل: بل هي عرضت نفسها عليه فقال: ما منعني إلا اليأس منك فقالت: لا أرغب عنك فإنك كفؤ كريم فاجمع رجال قومي واخطبني إليهم ففعل فسألوها فقالت: قد أجبت فلما زفت إليه سقته الخمر حتى سكر، فحزت رأسه وانصرفت إلى منزلها، وأمرت أن تعلق رأسه على باب دارها، فلما رأى الناس ذلك علموا الحيلة فملكوها عليهم وقال قوم: إن أباها لم يكن ملكا بل وزير، وكان الملك قبيحا -يفعل ما تقدم ذكره- فقتلته بلقيس فملكوها عليهم فعظم شأنها وكثر جندها واتسع نطاق ملكها حتى قال بعضهم: إنه كان تحت يديها أربعمائة ملك، كل ملك منهم على كورة وله 40000 مقاتلا وكان لها 300 وزير يدبرون ملكها، وكان لها 12 قائدا يقود كل واحد 12 ألف مقاتل وبالغ بعضهم في ذلك.

وأما عرشها الوارد ذكره في القرآن الحكيم فقيل: كان سريرا ضخما من ذهب وفضة مرصعا بالجواهر النفيسة، وكان في جوف سبعة بيوت عليها سبعة أغلاق كل بيت داخل الآخر وهو في آخرها.

وقيل: كان مقدمه من الذهب منضدا بالياقوت الأحمر والزمرد الأخضر ومؤخره من فضة مكللا بأنواع الجواهر واللالئ، وله أربع وقائم قائمة من ياقوت أحمر، وقائمة من ياقوت أصفر، وقائمة من زبرجد أخضر، وقائمة من در أبيض، وصفائح السرير من ذهب، وقيل: أنفقت بلقيس على الكوة التي تدخل منها الشمس فتسجد لها ثلثمائة ألف أوقية من الذهب.

قال ابن الأثير: فد تواطأت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015