ولعل الحي أن يلحقوا بك. فأبى وقال: أنا مقيم, وامض أنت وليصنعوا بي ما أحبوا فلم تزل تنشده حتى انصرف وقد هجرته وانقطع التلاقي بينهما مدة وفي ذلك يقول:

ألم تسأل الربع الخلاء فينطق ... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق

وقفت بها حتى تجلت عمايتي ... ومل الوقوف إلا رحبي المنوق

تعزو إن كانت عليك كريمة ... لعلك من رق لبثينة تعتق

لعمركم إن البعاد لشائقي ... وبعض بعاد البين والنأي أشوق

لعلك محزون ومبد صبابة ... ومظهر شكوى من أناس تفرقوا

وبيض غريرات تثني خصورها ... إذا قمن أعجاز ثقال وأسوق

عزائز لم يلقين بؤس معيشة ... يجن بهن الناظر المتنوق

وغلغلت من وجد إليهن بعدما ... سريت وأحشائي من الخوف تخفق

معي صارم قد أخلص القين صقله ... له حين أغشيه الضريبة رونق

فلولا احتيالي ضقن ذراعا بزائر ... به من صبابات إليهن أولق

تسوق بقضبان الأراك مفلجا ... يشعشع فيه القارسي المروق

أبثينة للوصل الذي كان بيننا ... نضا مثل ما ينضو الخضاب فيخلف

أبثينة ما تنأين إلا كأنني ... بنجم الثريا ما نأيت معلق

وأقام مرة لا يلم بها ثم لقي ابني عمه روقا ومسعد فشكا غليهما ما به وأنشدهما قوله:

زورا بثينة فالحبيب مزور ... إن الزيارة للمحب يسير

إن الترحل أن تلبس أمرنا ... وإعتاقنا قدر أحم بكور

إني عشية رحت وهي حزينة ... تشكو إلي صبابة لصبور

غراء مبسام كأن حديثها ... در تحدر نظمه منثور

مخطوطة المتنين مضمرة الحشا ... ريا الروادف خلفها ممكور

لا حسنها حسن ولا كدلالها ... دل ولا كوقارها توقير

إن اللسان بذكرها لموكل ... والقلب صاد والخواطر صور

ولئن جزيت الود مني مثله ... إني بذلك يا بثين جدير

فقال له روق: إنك لعاجز ضعيف في استكانتك لهذه المرأة وتركك الاستبدال بها مع كثرة النساء ووجود من هو أجمل منها وإنك منها بين فجور أرفعك عنه أو ذل لا أحبه لك, أو كمد يؤديك على التلف, أو مخاطرة بنفسك لقومها إن تعذرت لهم بعد إعذارهم إليك, وإن صرفت نفسك عنها وغلبت هواك فيها وتجرعت مرارة الحزم وتصير نفسك عليها طائعة له أو كارهة ألفت ذلك وسلوت.

فبكى جميل وقال: يا أخي, لو ملكت اختياري لكان ما قلت صوابا ولكني لا أملك لي اختيارا, ولا أنا كالأسير لا يملك لنفسه نفعا, وقد جئتك لأمر أسألك أن لا تكدر ما رجوته عندك فيه بلوم, وأن تحمل على نفسك في مساعدتي.

فقال له: فإن كنت لا بد مهلكا نفسك فاعمل على زيارتها ليلا فإنها تخرج مع بنات عم لها على ملعب لهن فأجيء معك حينئذ سرا ولي أخ من رهط بثينة من بني الأحب نأوي عنده نهارا فأسأله مساعدتك على هذا فتقيم عنده أياما نهارك وتجتمع معها بالليل إلى أن تقضي أربك. فشكره ومضى روق إلى الرجل الذي من رهط بثينة فأخبره الخبر واستعهده كتمانه وسأله مساعدته فيه فقال له: لقد جئتني بإحدى العظائم ويحك إن في هذا معاداتي الحي جميعا إن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015