تهوى إلهيا الأفئدة والقلوب ولها الطولى في نظم الغزل والنسيب فمن ذلك قولها:
وعاذلة تغدو علي تلومني ... على الشوق لم تمح الصبابة من قلبي
فما لي إن أحببت أرض عشيرتي ... وأبغضت طرفاء القصية من ذنب
فلو أن ريحاً بلغت وهي مرسل ... حفي لنا خبت الجنوب على النقب
فإني إذا هبت شمالاً سألتها ... هل ازداد صداح النميرة من قرب
كانت من شاعرات العرب اللاتي لهن علم بالأدب، وكانت متزوجة بشخص من قومها يسمى زيد بن مية، وكان جاراً للزبرقان بن بدر فشد عليه رجل يقال له هزال بن بني عوف بن كعب بن سعد بن عبد مناة فقتله بجوار الزبرقان فقالت امرأته ترثيه وتوبخ الزبرقان على تركه ثأره:
متى ترد وأعكاظ توافقوها ... بأسماع مجادعها قصار
أجيران ابن مية خبروني ... أعين لابن مية أو ضمار
تجلل خزيها عوف بن كعب ... فليس لخلعها منه اعتذار
فإنكم وما تخفون منها ... كذات الشيب ليس لها خمار
فلما سمع الزبرقان ذلك الشعر منها حلف ليقتلنه وبعد ذلك سعت العرب بينهما صلحاً فاصطلحا، وفدى ابن مية بمال وتزوج هزال بخليدة أخت البزرقان وانصرف الأمر.
ولادة بنت المستكفي الله محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الناصر ليدن الله الاموي. كانت واحدة زمانها المشار إليها في أوانها، حسنة المحاورة، مشكورة المذاكرة، مشهورة الصيانة والعفاف. أديبة شاعرة جزلة القول حسنة الشعر، وكانت تناضل الشعراء وتجادل الأدباء، وتفوق البرعاء، وعمرت عمراً طويلاً، ولم تتزوج قط.
وكانت نهاية في الأدب والظرف حضور شاهد، وحرارة آبد، وحكم منظر ومخبر، وحلاوة مورد ومصدر. وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر، وفناؤها معلباً لجياد النظم والنثر، ويعشو أهل الأدب إلى ضوء غرتها، ويتهالك أفراد الشعراء والكتاب على حلاوة عشرتها، وعلى سهولة حجابها، وكثرة منتابها، تخلط ذلك بعلو نصاب وكرم أنساب وطهارة أثواب على أ، ها أوجدت للقول فيها السبيل بقلة مبالاتها ومجاهرتها بلذاتها.
وقيل: إنها بالغرب كعلية ابنة المهدي العباسي بالشرق إلا أن ولادة تزيد بمزية الحسن الفائق وأما الأدب والشعر والنوادر وخفة الروح فلم تكن تقصر عنها، وكان لها صنعة في الغناء ولها نوادر كثيرة مع الأدباء والشعراء.
ومن أخبارها مع أبي الوليد بن زيدون