المقصد ومن أغلاطنا في التربية أيضا إننا لا نتحرى تعويد الأولاد على الاعتماد على أنفسهم والاستقلال عن سواهم بل إذا رأينا في ولدنا ميلا إلى شيء من ذلك أمتناه إجابة لدواعي الخوف والشفقة التي في غير محلها فإذا رأت الأم ابنها يميل إلى حز الخشب والنجارة بسكين أخذت السكين من يده خوفا من أن يجرح إصبعه جرحا طفيفا ولا يخطر لها أن توصي أباه ليبتاع له عدة صغيرة للنجارة ليتعود بها على عمل أعمال كثيرة تنفعه في أيامه وتبعد عنه الضجر والسآمة, والحال أن أكثر مخترعي الإفرنج يربون على حب الاختراع بأمور كهذه وهم أولاد صغار وإذا رأت الأم ولدها يركض في الشمس وراء الفراش والجنادب صاحت وولولت خوفا عليه من حر الشمس وكان الأولى بها أن تشتري له كتابا ذا صور وتربيه على مراقبة المخلوقات الطبيعية. قيل: إن لبنيوس المعدود من أعظم علماء النبات كان في صغره يحب الأزهار, فزرع له أبوه أرضا وقسمها على وفق ذوقه, فكان يتفقدها ويعتني بها, ولما شب ولع بدراسة علم النبات حتى طار صيته في الآفاق ويجب الحذر في التربية من أضعاف عزيمة الولد وإرادته فإن والدات كثيرات يذللن الولد حتى لا تبقى له إرادة فإذا شب كان ضعيفا, وكانت تربيته أعظم مصيبة عليه وكثيرون ينكرون فوائد التربية ويقولون: إن وجودها وعدمها سيان ويستشهدون على ذلك بقولهم: إن فلانا ربي في صغره أحسن تربية فكان أحسن الأولاد وكان يقدر له أعظم النجاح, فلما كبر أتى المنكرات ولم يجن إلا ثمار الذل والفشل, والآخر ربي في صغره أردأ تربية, ولما كبر فاق فضلا ونبلا وكرم أخلاق وخالف ظن الناس فيه.

أقول إن إنكار هؤلاء الناس لمنافع التربية مبني على وهم فاسد, وهو أن التربية إنماء الموجود وتحسينه كما مر في بدء الكلام, ولا توجد ما ليس موجودا فقد يخص البارئ بمواهب أناسا دون آخرين حتى إنهم مع قلة التربية يفوقون سواهم ممن ربي تربية حسنة, ولكن لو تساوت مواهب الفريقين لفاق المربي بالأخلاق ولذلك اشترط في المربى أن يكون قابلا للتربية من طبعه وقليل من لا يقبلها ومهما قوي في الفطرة حسك الشرور وغلطت أصول المساوئ والآثام, فإنها تضعف حتى تضجر وتزول بحسن التربية وجميل الاعتناء". اه.

ومن كلامها المقالة التي أدرجت في جريدة المقتطف العلمية ردا على الدكتور شبلي شميل ونصها بحروفها: "إن حضرة الفاضل الدكتور شبلي يعد من جملة الذين إذا أطعموا أشبعوا, وإذا ضربوا أوجعوا. فمقالته التي عنوانها "الرجل والمرأة وهل يتساويان" (المندرجة في الجزأين السادس والسابع من مقتطف هذه السنة) قد حوت من الشواهد والحقائق ما يشبع عقول القارئين ومن التحامل على المرأة والإجحاف بحقها ما يوجع نفوس القارئات وليس لنا وجه لدفع قوله بأنه خصم ذو غرض أو رجل قليل المعارف لا يعبأ بقوله لأنه قال: وأعاد القول مرارا إنه ليس قصده حط شأن المرأة بل تقرير الحق الواقع والذي نعهده فيه من الصدق في القول والإخلاص في القصد يكذبنا إن سميناه خصما أو نسبنا إليه الغرض وأقواله وكتاباته تشهد له بسعة الاطلاع وغزارة المعارف, فلا نصدق إذا حططنا في علمه ومعارفه ومع ذلك فلا ريب أنه لم ينصف في حكمه على المرأة ولم يعدل في ذكر مناقبها وأخلاقها, وما ذلك في حكمي إلا عن سهو إذ الإنسان عرضة للسهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015