ومستفتح باب البلاء بنظرة ... تزود منها قلبه حسرة الدهر
فقالت بديهة:
فو الله لا يدرى أندري بما جنت ... على قلبه أو أهلكته وما ندري
وكان علي بن الجهم يوماً عند فضل الشاعرة فلحظها لحظة استرابت بها فقالت:
يا رب رام حسن تعرضه ... يرمي ولا يشعر أني غرضه
فقال مجيباً لها:
أي فتى لحظك لم يمرضه ... وأي عقد محكم لم ينقضه
فضحكت وقالت: خذ في غير هذا الحديث.
وكان بينها وبين سعيد بن حميد الشاعر مراسلات ومواصلات أدبية فحضر مجلسها يوماً ومعه بنان فأقبلت على بنان وتركته, وذهب مغضباً لها وظهر لها في وجهه ذلك فكتبت إليه:
وعيشك لو صرحت باسمك في الهوى ... لا قصرت عن أشياء بالهزل والجد
ولنني أبدي لهذا مودتي ... وذاك وأخلو فيك بالبث والوجد
مخافة أن يغرى قول كاشح ... عدو فيسعى بالوصال إلى الصد
فكتب إليها سعيد:
تنامين عن ليلي وأسهره وحدي ... وأنهى جفوني أن تبثك ما عندي
فإن كنت لا تدرين ما قد فعلته ... بنا فانظري ماذا على قاتل العمد
وجاءها أبو يوسف بن الدقاق الضرير وأبو منصور الباخرزي زائرين فحجبا عن الدخول إليها, ولما رجعا وعلمت بمجيئهما وانصرافهما قبل مقابلتها غمها ذلك فكتبت إليهما تعتذر:
وما كنت أخشى أن تروا لي زلة ... ولكن أمر الله ما عنه مذهب
أعوذ بحسن الصفح منكم وقبلنا ... بصفح وعفو ما تعوذ مذنب
فكتب إليها أبو منصور الباخرزي:
لئن أهديت عتباك لي ولإخوتي ... فمثلك يا فضل الفضائل يعتب
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه ... وكل امرئ لا يقيل العذر مذنب
وقال المتوكل يوماً لعلي بن المنجم: كان بيني وبين فضل موعد وقبل مجيئها قد شربت وسكرت فنمت وجاءت فضل للموعد فحركتني بكل ما ينتبه به النائم فلم أنتبه فلما علمت أن لا صلة لها في كتبت رقعة ووضعتها على مخدتي وانصرفت, فلما انتبهت وجدتها فإذا مكتوب فيها:
قد بدا شبهك يا مو ... لاي يحدو بالظلام
قم بنا نقضي لبانا ... ت التزام والتآم
قبل أن تفضحنا عو ... دة أرواح النيام
وكانت فضل تهاجي خنساء جارية هشام المكفوف -وكانت شاعرة- فكان أبو شبل عاصم بن وهب يعاون فضلاً عليها ويهجوها مع فضل, وكان القصيدي والحفصي يعينان خنساء على فضل وأبي شبل على لسان فضل: