وراء الحجاب وتنظر في الدعاوى داخل الحجاب، وكان كل من في ديوان الأمير علي بك يعجبون بآرائها وسمو أفكارها لدقائق من الأمور الغامضة من الأحكام الشرعية ولم تزل كذلك إلى سنة 1281 هجرية وكان البيك المومى إليه قد تأخر عليه شيء من الأموال الأميرية لأن كرمه الحاتمي كان يضطره إلى ذلك حيث إنه كان في دولة عظيمة، وكان إذا ركب يركب معه فوق المائتي فارس من حشمه، وذلك خلاف الخدم والسياس والعمال، والطباخين والفراشين، وما يتبع دائرة الحريم من وكلاء وخدم وطباخين وغير ذلك.
وكان في قلعة تبنين محل للضيوف يسع ألفي شخص وفيه من المفروشات والأثاث ما يليق بذلك القصر الفاخر كل غرفة بما يلزم لها الراحة الضيوف وله فراشون مختصون لخدمة الضيوف فقط والطباخون كذلك غير الذين يخدمون المقيمين من العائلة، وكل هؤلاء الأتباع لهم الروات من دائرة الأمير المومى إليه، وكانت تأتي الشعراء والطالبون من كل صوب وهو لا يدر أحداً بدون جائزة ويفد إلهي الزائرون من كل المدن الشهيرة من كبار المتوظفين وغيرهم يمضون عنده فصل الصيف في القلعة لحسن هوائها وطيب مركزها وخصب تربة تلك الأراضي والجبال النضرة. وقد كان له حساد وأعداء من أقرب الناس إليه قد أضمروا له الضغينة وألقوا الدسائس حسداً منهم لما ناله من المجد والرفعة وعملوا على إلقاء القبض عليه ومحاسبته على الأموال الأميرية فحوسب في مدة ثمانية شهور وهو تحت الحجز، وظهر طرفه مبالغ جسيمة.
فقامت السيدة فاطمة في أثناء ذلك بأعباء هذا الحمل الثقيل وتدبرت الأموال المطلوبة من بعلها وقد جمعتها من مالها وأموال عائلتها وباعت حليها وحلي كل امرأة في دائرتها حتى تمكنت من سداد الأموال المطلوبة، وكانت تفعل ذلك بكل حزم يفوق شهامة الرجال وصدر الأمر بخلاصة في أواخر سنة 1281 هجرية.
وبعد ذلك أراد الرجوع إلى وطنه من محل ما كان محجوراً عليه وهي قلعة دمشق الشام، فدخلت سنة 1282 هجرية التي جاء فيها الوباء العام المشهور (بالكوليرة) ، وهنالك قبل انتقاله إلى وطنه أصيب بالكوليرة بدمشق الشام ومكث ثلاثة أيام، وتوفاه الله تعالى.
وكان برفقته أخوها الأمير محمد بك الأسعد فأصيب الأمير أيضاً بهذا الداء ولحق بابن عمه وكانت وفاتهما في أسبوع واحد تاركين لآلهما الحزن الطويل فكانت نكبة عظيمة على السيدة فاطمة -المذكورة- ونكبت تلك العائلة أيضاً بوفاة أميرها فلازمت المترجمة الأحزان والأكدار بسبب فقط بطليها الزوج والأخ في آن واحد وانقطعت إلى (الزريرية) وهي مزرعة من مزارع زوجها فاقتسمت ما يخصها ويخص بناتها الثلاثة لأنها كانت ولدت له جملة أولاد من ذكور وإناث فلم يعش لها إلا هؤلاء الثلاث بنات.
وكان للأمير علي بك أولاد من غيرها ذكور وإناث أيضاً فضمتهم جميعاً بحسن إدارتها إلى بعضهم، وقسمت عليهم الأرض بحسب الفريضة الشرعية بدون أن تجعل للحكومة مدخلاً في ذلك وشرعت في بناء دار لكل من أولادها وأولاد زوجها للسكنى وأرضت الكل بحسن تدبيرها وسداد رأيها وأتمت ذلك البناء على ما أحب الأولاد.
وخصصت من مالها شيئاً مخصوصاً لتربية اليتامى، وفك كرب المكروب، وقسمت وقتها بين سكناها (بالزريرية) و (الطيبة) عند شقيقها الأصغر الأمير خليل بك الأسعد، ولم تزل -حفظها الله- على هذه السجايا الحسنة إلى الآن يضرب بها المثل في تلك الأصقاع.
ولها في الشعر قليل، وأما في النثر فيشهد لها اليراع، وتنطق لها الطروس.