قبل أن يخرج الشهر الحرام فتعالوا إليه وأخبروه أنكم لا تحبون أن تكون امرأة منكم معروفة النسب مسبية، وافتدوني منه فإنه لا يرى أني أفارقه ولا أختار عليه أحد. فأتوه فسقوه الشراب، فلما ثمل قالوا له: فادنا بصاحبتنا فإنها وسيطة النسب فينا معروفة وإنه عار علينا أن تكون مسبية فإذا صارت إلينا وأردت معاودتها فاخطبها إلينا فإننا ننكحك.

فقال لهم: ذلك لكم، ولكن لي الشرط فيها أن تخيروها فإن اختارتني انطلقت معي إلى ولدها، وإن اختارتكم انطلقتم بها قالوا: ذلك لك. قال: دعوني ألهو بها الليلة وأفاديها غدا.

فلما كان الغد جاءوه فامتنع من فدائها. فقالوا له: قد فاديتنا بها منذ البارحة وشهد عليه بذلك جماعة ممن حضر فلم يقدر على الامتناع وفاداها.

فلما فادوه بها خيروها فاختارت قومها، ثم أقبلت عليه فقالت: يا عروة، إما إني أقول فيك وإن فارقتك الحق والله ما أعلم امرأة من العرب ألقت سترها على بعل خير منك وأغض طرفا وأقل فحشا، وأجود يدا وأحمى لحقيقة، والله إنك ما علمت لضحوك وقور، كسوب مدبر، خفيف على متن الفراش، ثقيل على ظهر العدو، طويل العماد، كثير الرماد، راضي الأهل والأجانب، وما مر علي يوم منذ كنت عندك إلا والموت فيه أحب إلي من الحياة بين قومك لأني لم أكن أشأ أن أسمع امرأة من قومك تقول: قالت أمة عروة كذا وكذا إلا سمعته، ووالله لا أنظر في وجه غطفانية أبدا فأرجع راشدا إلى ولدك وأحسن إليهم. ثم فارقته، فقال عروة في ذلك:

أرقت وصحبتي بمضيق عيق ... لبرق من تهامة مستطير

سقى سلمى وأين ديار سلمى ... إذا كانت مجاورة السدير

إذا حلت بأرض بني علي ... وأهلي بين زامرة وكير

ذكرت منازلا من أم وهب ... محل الحي أسفل من نقير

وأحدث معهدا من أم وهب ... معرسنا بدار بني النضير

وقالوا ما تشاء فقلت ألهو ... إلى الصباح أثرة ذي أثير

بآنسة الحديث رضاب فيها ... بعيد النوم كالعنب العصير

فتزوجها رجل من بني عمها فقال لها يوما من الأيام: يا سلمى، اثني علي كما أثنيت على عروة وكان قولها فيه اشتهر فقالت له: لا تكلفني ذلك. فإن قلت الحق أغضبتك وإلا واللات والعزى لا أكذب فقال: عزمت عليك لتأتين في مجلس قومي فلتثنين علي بما تعلمين.

وخرج فجلس في ندي القوم وأقبلت فرماها القوم بأبصارهم فوقفت عليهم وقالت: انعموا صباحا إن هذا عزم علي أن أثني عليه بما أعلم، ثم أقبلت عليه فقالت: والله إن شملتك لالتحاف، وإن شربك لاشتفاف، وإنك لتنام ليلة تخاف، وتشبع ليلة تضاف، وما ترضي الأهل ولا الجار، ثم انصرفت عنه فلامه قومه وقالوا: ما كان أغناك عن هذا القول منها.

سلامة القس

هي جارية كانت لسهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري فاشتراها يزيد بن عبد الملك بثلاثة آلاف دينار فأعجب بها وغلبت على أمره.

وسبب ما قيل لها: سلامة القس أن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة أحد بني جشم بن معاوية بن بكر كان فقيها عابدا مجتهدا في العبادة، وكان يسمى القس لعبادته، مر يوما بمنزل مولاها فسمع غناءها فوقف يسمعه فرآه مولاها، فقال له: هل لك أن تنظر وتسمع؟ فأبى، فقال له: أنا أقعدك بمكان لا تراها وتسمع غناءها، فدخل معه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015