البرية إلى أن تقول، وإني الآن ألقب بشريفة ليس لأني توجت إمبراطورة لفرنسا بل لأني كنت مختارتك وليس لي قيمة من دون ذلك وحسبي هذا الفخر لتخليد اسمي أما زواري في هذه المدة المتأخرة فأكثر مما كانوا قبلا ويسرني منهم إعجاهم وافتخارهم ب "نابوليون" وبالجملة فإني أجد نفسي كأني في بيتي وأنا في وسط هذا الغاب، لا تنسى صاحبتك، واذكر لها أحيانا أنك حافظ لها جزءا من محبتك لتنتعش روحها به وكرر لها الكلام عن سعادتك، وتأكد أن مستقبلها سيكون مستقبل سلام كما أن الماضي كان مشؤوما بالأحزان والأكدار.

وقبل ذهاب "نابوليون" إلى ساحات "روسيا" المهلكة ذهب إلى "جوزفين" وقضى معها ساعتين من الزمان في الجنينة يحادثها بما كان أمامه، وكانت "جوزفين" تحذره من مباشرة هذا العمل الخطير، ولكن ثقته بالنجاح أقنعتها وجعلتها تسلم معه.

وفي الختام قبل يدها ونهض للذهاب فرافقته إلى العجلة ولكن لم يمض طويل من الزمن حتى رجع "نابوليون" من "موسكو" فوجد أن كل أوروبا متجندة عليه ومتقدمة نحو عاصمته فذهب في وسط هذه المخاطر إلى "جوزفين" وطلب مواجتها وكانت هذه المواجهة الأخيرة. وفي نهاية هذه الزيارة الأخيرة شخص إليها برهة ساكتا وعلامات الحزن على وجهه ثم قال: "يا جوزفين إني كنت سعيدا كأسعد الناس عاش على وجه الأرض، ولكني في هذه الساعة عندما أرى عواصف تتجمع فوق راسي ليس لي في كل هذا العالم الواسع أحد إلا أنت التي ألتفت إليها وأستريح".

وفي أعظم هذه الاضطرابات والانزعاجات الهائلة التي لم يسطر أعظم منها في تاريخ البشر كانت أفكار "نابوليون" دائما عند "جوزفين" رفيقة صباه، وكان يكتب إليها كل يوم تقريرا ويعلمها بالحوادث الجارية ويخبرها عن أحواله والرسائل التي كتبها إليها من مبادئ تلك الحروب، ومن ساحات القتال كانت ألطف وأرق ما كتب لها في حياته فإن المصائب والنكبات كانت قد دمثت أخلاقه حتى في تلك الأيام المضطربة عندما كان يحارب الجيوش الجرارة وكان عرشه آخذا في التقلقل تحت قدميه كانت رسالة من "جوزفين" تنعش روحه مهما كانت شواغله عظيمة.

أما الجيوش المتحالفة فكانت آخذة في الاقتراب من باريس وكانت "جوزفين" مهمومة مغمومة بسبب ما حل ب "نابوليون" وكانت هي وكل سيداتها في "ملمازون" يقضين أكثر أوقاتهم في إعداد خيوط الكتان للجرحى الذين ملأوا المستشفيات، وأخيرا لما اقتربت جيوش الدول المتحالفة من "ملمازون" وصار بقاء "جوزفين" هناك من الأمور الخطيرة ركبت عجلتها وسارت إلى "نافار" وذعرت من أصوات العساكر ثلاث مرات في طريقها إذ كانت على مسافة غير بعيدة منها، وبعد أن قطعت نحو ثلاثين ميلا من طريقها انكسرت عجلتها وفي نفس ذلك الوقت رأت أمامها عصبة من الخيالة أتت نحوها فظنتها من عساكر الأعداء، ومن شدة خوفها تركت عجلتها وصارت تركض مع سيداتها في الحقول وكان المطر يهطل حينئذ وعبد أن سرن مسافة أدركن غلطهن ووجدن أن هؤلاء الفرسان فرنسيون، وبعد أن أصلحت العجلة ركبت ثانية وهكذا حتى وصلت "جوزفين" بالسلامة إلى "نافار" وكانت ساكتة في معظم الطريق لا تفوه ببنت شفة.

وبعد أن أقامت عدة أيام في "نافار" قلقلة مضطربة البال تنتظر الأخبار عن "نابوليون" أرسل إليها الإمبراطور "إسكندر" إمبراطور الروس خفراء يحرسونها من الاعتداء عليها لأن مئات الألوف من العساكر كانت حينئذ منتشرة في كل تلك الجهات، وقد ألقت الرعب في قلوب سكان تلك النواحي.

وكانت جوزفين حينئذ مغمومة حزينة لما الم ب "نابوليون" كانت تقضي كل أوقاتها إما بالكلام عنه، وإما بتلاوة رسائله فإنه كان يكتب إليها بلا انقطاع ويخبرها بأحوال الحرب وبفراره من مكان إلى آخر، ولكن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015