شِدَّةِ حَرٍّ وَحَرَارَةِ بَلَدٍ وَقَصْدِ جَمَاعَةٍ، وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مَنْظُورٌ فِيهِ (وَجُمُعَةٍ كَظُهْرٍ أَصْلًا وَاسْتِحْبَابًا) فِي الزَّمَانَيْنِ؛ لِأَنَّهَا خَلَفُهُ
(وَ) تَأْخِيرُ (عَصْرٍ) صَيْفًا وَشِتَاءً تَوْسِعَةً لِلنَّوَافِلِ (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ ذُكَاءُ) بِأَنْ لَا تَحَارَ الْعَيْنُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ
(وَ) تَأْخِيرُ (عِشَاءٍ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا بِالشِّتَاءِ، أَمَّا الصَّيْفُ فَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهَا (فَإِنْ أَخَّرَهَا إلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ) كُرِهَ لِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ، أَمَّا إلَيْهِ فَمُبَاحٌ.
(وَ) أَخَّرَ (الْعَصْرَ إلَى اصْفِرَارِ ذُكَاءَ) فَلَوْ شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ التَّغَيُّرِ فَمَدَّهُ إلَيْهِ لَا يُكْرَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQأَوْ بِجَمَاعَةٍ اهـ أَيْ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ، وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ» " وَالْمُرَادُ الظُّهْرُ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا) كَالسِّرَاجِ حَيْثُ قَالَ فِيهِمَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ: أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ قَدَّمَهَا، وَإِنْ فِي الْمَسْجِدِ بِجَمَاعَةٍ أَخَّرَهَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: مَنْظُورٌ فِيهِ) تَبِعَ فِي التَّنْظِيرِ فِيهِ صَاحِبَ الْبَحْرِ اعْتِمَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَأَوْرَدَ الْمُحَشِّيُّ عَلَيْهِ: مَا لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ لَوْ قُلْنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ يَلْزَمُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الَّتِي يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَجْلِ الْمُسْتَحَبِّ وَالْقَوَاعِدُ تَأْبَاهُ، وَيَدُلُّ لَهُ كَرَاهَتُهُمْ تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ إلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، وَعَلَّلُوهُ بِتَقْلِيلِ الْجَمَاعَةِ، فَفِي مَسْأَلَتِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ حَرَامًا حَيْثُ تَحَقَّقَ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ. اهـ. وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ مِثْلَهُ عَنْ شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلشَّيْخِ مُوسَى الطَّرَابُلُسِيِّ وَقَالَ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مَعَ نَجَاسَةِ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَخَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ اهـ أَيْ مَعَ أَنَّ إزَالَتَهَا مَسْنُونَةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ وَلَمْ تُتْرَكْ الْجَمَاعَةُ لِأَجْلِهَا. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَ الْبَحْرِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ لَا، مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ التَّأْخِيرُ سَوَاءٌ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا بِأَنْ كَانَ لَا تَتَيَسَّرُ لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُؤَخِّرُ وَإِنْ لَزِمَ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَالتَّنْظِيرُ فِي كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ وَالسِّرَاجِ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ هِيَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، صَرَّحُوا بِهَا فِي كُتُبِهِمْ، نَعَمْ ذَكَرَ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُمْ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ التَّأْخِيرُ فَضِيلَةً لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ كَتَكْثِيرِ الْجَمَاعَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَوْلَى لِلنِّسَاءِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُنَّ لَا يَخْرُجْنَ إلَى الْجَمَاعَةِ كَذَا فِي مَبْسُوطَيْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ هُنَا، إذْ لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةٌ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُمْ هُنَاكَ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ أَئِمَّتَنَا صَرَّحُوا بِاسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ بِلَا اشْتِرَاطِ جَمَاعَةٍ وَأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مَفْهُومٌ وَالصَّرِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ ثَمَّ فَرَاجِعْهُ.
(قَوْلُهُ: أَصْلًا) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ وَقْتِ الْجَوَازِ، وَمَا وَقَعَ فِي آخِرِهِ مِنْ الْخِلَافِ.
(قَوْلُهُ: وَاسْتِحْبَابًا فِي الزَّمَانَيْنِ) أَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ح، لَكِنْ جَزَمَ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ فَنِّ الْأَحْكَامِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهَا الْإِبْرَادُ. وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى لِقَارِئِ الْهِدَايَةِ: قِيلَ إنَّهُ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَتَقُومُ مَقَامَهُ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، فَتَأْخِيرُهَا مُفْضٍ إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الظُّهْرُ وَمُوَافَقَةُ الْخَلَفِ لِأَصْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا خَلَفُهُ) عَلِمْت جَوَابَهُ. عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا فَرْضٌ مُسْتَقِلٌّ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ
(قَوْلُهُ: تَوْسِعَةً لِلنَّوَافِلِ) أَيْ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ. وَقَالَ الْإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا رُوِيَ فِي التَّأْخِيرِ وَالتَّعْجِيلِ: لَمْ نَجِدْ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مِمَّا صَحَّحْت إلَّا مَا يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ الْعَصْرِ: وَلَمْ نَجِدْ مَا يَدُلُّ مِنْهَا عَلَى التَّعْجِيلِ إلَّا مَا عَارَضَهُ غَيْرُهُ فَاسْتَحْبَبْنَا التَّأْخِيرَ. وَلَوْ خَلَّيْنَا النَّظَرَ لَكَانَ تَعْجِيلُ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا أَفْضَلَ وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ أَوْلَى، وَقَدْ رَوَى عَنْ أَصْحَابِهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ثُمَّ سَاقَ ذَلِكَ. وَتَمَامُهُ فِي الْحِلْيَةِ.
(قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إنْ أَمْكَنَهُ إطَالَةُ النَّظَرِ فَقَدْ تَغَيَّرَتْ وَعَلَيْهِ