وَكَذَا الْغِيبَةُ عِنْدَ الْعَامَّةِ زَيْلَعِيٌّ لَكِنْ جَعَلَهَا فِي الْمُلْتَقَى كَالْحِجَامَةِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَحْرِ لِلشُّبْهَةِ (كَكَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ) الثَّابِتَةِ بِالْكِتَابِ، وَأَمَّا هَذِهِ فَبِالسُّنَّةِ وَمِنْ ثَمَّ شَبَّهُوهَا بِهَا ثُمَّ إنَّمَا يُكَفِّرُ -

ـــــــــــــــــــــــــــــQيَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِفَتْوَى الْفَقِيهِ أَوْ بِتَأْوِيلِهِ الْحَدِيثَ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ لَهُ شِمَّةٌ مِنْ الْفِقْهِ نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ، لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّ الَّذِي اكْتَحَلَ أَوْ دَهَنَ نَفْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا كَانَ جَاهِلًا فَأُفْتِيَ لَهُ بِالْفِطْرِ. اهـ.

قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُنَا إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ شَامِلًا لِمَسْأَلَةِ دَهْنِ الشَّارِبِ اهـ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُرَجَّحٌ لِعَدَمِ الِاسْتِئْنَاءِ فَالْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَرْكُهُ ح. قُلْت: لَكِنَّ مَا نَذْكُرُهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا فِي الْغِيبَةِ يُؤَيِّدُ مَا فِي الْبَدَائِعِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْغِيبَةُ) ؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ بِهِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْحَدِيثَ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَلَاثٌ تُفْطِرُ الصَّائِمَ» مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ بِذَهَابِ الثَّوَابِ بِخِلَافِ حَدِيثِ الْحِجَامَةِ، فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مِثْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ إمْدَادٌ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِ الظَّاهِرِيَّةِ فِي الْغِيبَةِ؛ لِأَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَمَا مَضَى السَّلَفُ عَلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا قُلْنَا فَتْحٌ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا وَالْحِجَامَةُ سَوَاءٌ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالُوا عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا: أَرَادَ بِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا قَوْلٌ مُعْتَبَرٌ فَهَذَا ظَنٌّ.

مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ فَلَا يُورِثُ شُبْهَةً اهـ وَنَحْوُهُ فِي السِّرَاجِ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ أَيْضًا وَشُرُوحِهَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ وَإِذَا لَمْ يَعُدَّ الْحَدِيثَ وَالْفَتْوَى شُبْهَةً فِي الْغِيبَةِ فَعَدُّ دَهْنُ الشَّارِبِ أَوْلَى. اهـ.

قُلْت: وَلِذَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْبَدَائِعِ وَكَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمَبْسُوطِ (قَوْلُهُ: لِلشُّبْهَةِ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَا خَالَفَ الْإِجْمَاعَ لَا يُورِثُ شُبْهَةً وَالْعَمَلُ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

مَطْلَبٌ فِي الْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ: كَكَفَّارَةِ الْمُظَاهِرِ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَكَفَّرَ أَيْ مِثْلُهَا فِي التَّرْتِيبِ فَيَعْتِقُ أَوَّلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ الْمَعْرُوفِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ فَلَوْ أَفْطَرَ وَلَوْ لِعُذْرٍ اسْتَأْنَفَ إلَّا لِعُذْرِ الْحَيْضِ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ يُشْتَرَطُ فِي صَوْمِهَا التَّتَابُعُ أَيْضًا وَهَكَذَا كُلُّ كَفَّارَةٍ شُرِعَ فِيهَا الْعِتْقُ نَهْرٌ، وَتَمَامُ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَحْرِ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالسُّلْطَانُ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا صَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِالْوُجُوبِ عَلَى الْجَارِيَةِ فِيمَا لَوْ أَخْبَرَتْ سَيِّدَهَا بِعَدَمِ طُلُوعِ الْفَجْرِ عَالِمَةً بِطُلُوعِهِ فَجَامَعَهَا مَعَ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَبِأَنَّهُ إذَا لَزِمَتْ السُّلْطَانَ، وَهُوَ مُوسِرٌ بِمَالِهِ الْحَلَالِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَبِعَةٌ لِأَحَدٍ يُفْتَى بِإِعْتَاقِ الرَّقَبَةِ وَقَالَ أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ: يُفْتَى بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَفَّارَةِ الِانْزِجَارُ وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ إفْطَارُ شَهْرٍ وَإِعْتَاقُ رَقَبَةٍ فَلَا يُجْعَلُ الزَّجْرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ أَجْلِ ثُبُوتِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالْكِتَابِ وَثُبُوتِ كَفَّارَةِ الْإِفْطَارِ بِالسُّنَّةِ، شَبَّهُوا الثَّانِيَةَ لِكَوْنِهَا أَدْنَى حَالًا بِالْأُولَى لِقُوَّتِهَا بِثُبُوتِهَا بِالْكِتَابِ ط وَمُقْتَضَاهُ الْإِكْفَارُ بِإِنْكَارِهَا دُونَ الْأُولَى يُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذُكِرَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ذَهَبَ إلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.

[تَنْبِيهٌ] فِي التَّشْبِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهَا مِثْلَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنَّ الْمَسِيسَ فِي أَثْنَائِهَا يَقْطَعُ التَّتَابُعَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مُطْلَقًا عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِلْآيَةِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ وَالْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهُ فِيهِمَا إلَّا الْفِطْرُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَأَمَّلْ، فَقَدْ زَلَّتْ بَعْضُ الْأَقْدَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ رَمْلِيٌّ وَنَحْوُهُ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَأَرَادَ بِغَيْرِ الْعُذْرِ مَا سِوَى الْحَيْضِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015