عَليهُما قَال إسحَاق: عُذركَ أعلى قَدرًا مِن جُرمِكَ ومَا حَالَ بفكرِي ولَا خَطَرَ بَعدَ انقضَائِهِ على ذِكرِى، وكَانَ المَأمونُ يَقولُ إنَّى لألتذُّ العَفوَ حتَّى أظُنُّ إنّي لَا أُثابَ عَليهِ، وكَانَ يَقُولُ عَلِم النَّاسُ حتَّى للعَفوِ لِتَقرِيرِ إليَّ بالجرَائِم، وقَالَ أحمدُ بنُ أَبِي دَاووُد سَمِعتُ المأمونَ يَقولُ لِرجُلٍ بَلغهُ عَنهُ شَيءٍ وقَد أخذَ الرَّجُلُ يَعتَذرُ إليهِ يَا هَذَا إِنَّمَا هو عُذر أو يَمينُ وقَد وهَبهُمَا لكَ فلَا تَزالُ تُسيءُ وأحسنُ وَتُذنِبُ وأعفُو حتَّى يَكون العَفو هُو الَّذي يُصلِحُكَ.
وكَانَ المَأمونُ يَقولُ: إنَّا لَا يُصلِحُ مِن أحدٍ مِن أتبَاعِنا بِالغَضَب والضَربِ أدبًا حتَّى تُفسِدُ مِن آدابنا أكثرَ مِمَّا أصلحْنَا مِنهُ، ومِنَ الغُبنِ والخُسرانِ أَن يفسِدَ الرجُلُ لِيصلُحَ غَيرهُ وأنْ يَجهلَ لِيعقلَ مِن سواهُ.
قِيلَ: وشَفِعَ إبراهيم ابْنُ المهدِي إلى المأمونِ فِي مَحبوسٍ فَقَالَ يَا أميرَ المؤمِنين لَيسَ للمَاضِي بَعدَ القُدرةِ عَليهِ ذَنبٌ ولَا للمُعاقَبُ بَعدَ المَلَكَةِ عُذرُ فقالَ المَأمونُ صَدقتَ وأمرَ بإطلاقِهِ وفِي الحكايةِ المشهورةِ عَنهُ وبَينَ إبراهيم بنُ المَهدي مَا يدلُّ عُلى همَّةِ المأمون فِي صفحِهِ وعَظيم عَفوِهِ وتَصديق قَولِهِ مِنه المحبَّةِ للعَفوِ وإيثارِه لَهُ رَحِمهُ اللَّه.
المتنبي في كَافُورٍ:
17025 - لَا شيءَ أَقَبَحُ مِن فَحلٍ لَهُ ... ذَكَرٌ تَقُودُهُ أَمَةٌ لَيست لَهُ رحِمُ
يقول مِنها هَجوًا:
مِن أيَّةِ الطُّرقِ يَأتِي مِثلُكَ الكَرمُ ... أينَ المَحاجِم يَا كافُورُ والجَلَمُ
جَازَ الألَى مَلَكتَ كفَّاكَ قَدرُهُم ... فَعَرفُوا بِكَ أَنَّ الكَلبَ فَوقَهُمُ
لَا شيءَ أقبحُ مِنْ فَحلٍ لَهُ ذَكرُ، البيت وبَعْدَهُ:
سَاداتُ كُلُّ أناسِ مِن نُفوسِهُمُ ... وسَادة المُسلِمينَ الأعبدُ القُومُ
17026 - لَا شيءَ أَقَلّ للمُحّبِ أَخي الجَوَى ... مُن فُرقَةٍ جَاءَت عَقيبَ تَلَاقِ