قَوْلُ النُّعْمَانُ بنُ المُنْذِرُ: قِيْلَ مَا قِيْلَ إن حَقًّا وَإِنْ كَذِبًا. يُخَاطِبُ بِذَلِكَ الرَّبِيْعَ بنِ زِيَادٍ العَبْسِيِّ، وَكَانَ مُكْرِمًا لَهُ مُعْجَبًا بِهِ فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ إِذْ وَفَدَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي جَعْفرٍ بن كِلابٍ وَفِيْهِمِ عَامِرٌ بن مَالِكِ بن جَعْفَرٍ وَطُفِيْل بنُ مَالِكٍ وَمُعَاوِيَةَ بنُ مَالِكٍ وَعُرْوَةُ بنُ عُتْبَةَ بنِ جَعْفرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ جَعْدَةَ بنِ كَعْبٍ وَكَانَ الرَّبِيع يَسْخَرُ مِنَ الجعْفَرَيْنِ وَيَعِيْبَهُم عِنْدَ المَلِكِ وَيَنْتَقِصهُمْ بِحَضرَةِ الوُفُودِ لمِا كَانَ بَيْنَ هَوَازِنَ وَغْطْفَانَ مِنَ العَدَاوَةِ فَلَمْ يَزَلِ الرَّبِيِع حَتَّى صَرَفَ وَجْهَ المَلِكِ عَنْهُمْ وَكَانَ مَعَ الجعْفَرَييْنِ لَبيْدُ بنُ رَبِيْعَةَ بنِ مَالِكَ بن جَعْفرٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَحْفَظُ رَوَاحِلَهُمْ فَتَشَاكَوا مَا يَلْقُونَهُ مِنَ الرَّبِيع مِنْ سُوءِ المَحْضَرِ وَالبَذَاءِ وَعَزَمُوا عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى أهْلِهِنم حِفْظًا لأعْرَاضهِمْ، فَسَألَهُمْ لَبِيْدُ فَقَالُوا إِنَّ خَالَكَ الرَّبِيع يُؤْذِيْنَا عِنْدَ المَلِكِ وَيَفْضحُنَا بَيْنَ الوُفُودِ وَكَانَتْ أُمُّ لَبيْدٍ عَبْسِيَّةٌ فَقَالَ لَهُمْ سَأُكْفِيْكُمُوهُ فَانْطَلِقُوا بِي مَعَكُمْ فَزَجَرَهُ عَمُّهُ عَامِرٌ فَقَالَ لَبيْدُ وَاللَّهِ لَا أسْرَحُ لَكُمْ رَاحِلَةً وَلَا أحْفِظُ لَكُمْ متَاعًا إِلَّا أنْ تَنْطَلِقُوا بِي مَعَكُمْ بكرَةَ غَدٍ فَلَمَّا رَأُوا الجِدَّ مِنْهُ قَالُوا تَبِيْتُ وَتَرَى رَأيكَ وَبَاتَ لَبِيْدٌ يَهْدِرُ ثُمَّ نَامَ وَأصبَحُوا فَقَالَ لَهُ أعْمَامُهُ: نَحْنُ نَبْتَلِيْكَ بِوَصْفِ هَذِهِ البَقْلَةِ، فَوَصفَهَا لَهُمْ وَأجَادَ ثُمَّ قَالَ إلْقُوا بِي أخَا عَبْسٍ أرْجِعُهُ عَنْكُمْ بِتَعْسٍ وَنَكْسٍ وَاتْرُكْهُ مِنْ أمْرِهِ فِي لبْسٍ، قَالُوا أنْتَ وَاللَّهِ صاحِبُهُ فَمَسَحُوا وَجْهَهُ وَألْبَسُوهُ حُلَّةً وَأتُوا بِهِ إِلَى قُبَّةِ المَلِكِ وَقَدْ حَضرَ طَعَامُهُ وَالرَّبِيع بنُ زِيَادٍ مَعَهُ فِي القُبَّةِ يُؤَاكِلُهُ فَنَادَاهُ لَبيْدُ مِنْ ظَاهِرِ القُبَّةِ (?):
أنَامُ أمْ يَسْمَعُ رَبُّ القُبَّةِ ... يَا أوْهَبَ النَّاسِ لِعِنْسٍ صُلْبَهُ
ذَاتِ هَنَّاتٍ فِي يَدَيْهَا حُدْبَة ... وَلَا جِبٍ كَأَنَّهُ الأطُبَّة
فَسَمعَ المَلِكُ وَأذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَأدْنَاهُمْ إِلَى المَائِدَةِ وَبَسَطَ يَدَهُ إِلَى الطَّعَام وَبَسَطَ الرَّبِيع يَدَهُ فَقَالَ لَبِيْدُ وَهُوَ يُشِيْرُ إِلَى صحفَةَ الطَّعَامِ (?):
أَنَا لَبِيْدٌ ثُمَّ هَذِي المُتْرَعَه
مَهْلًا أبَيْتَ اللَّعْنِ لا تَأكُل مَعَه