ومن الأحاديث أيضًا أحاديث كثيرة، تلك الأحاديث التي تدل على أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كانت تستدعيه بعض المواقف، فيستمع لما عند اليهود، جاء في (مسند أحمد) الحديث: حدثنا إسماعيل، عن أبي صخر العقيلي، حدثنا رجل من الأعراب قال: "جاءت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما فرغت من بيعتي قلت: لألقين هذا الرجل، فلأسمعن منه، قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم في أثنائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرًا التوراة يقرأها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت، كان له ولد يعاني سكرات الموت، فكان الولد جميلًا كأحسن الفتيان وأجملهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لليهودي: ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة، هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي)) فقال: -أي: اليهودي- برأسه هكذا -أي: لا- فقال ابنه، الذي يعاني سكرات الموت، أنطقه الله نطق فقال: إي، والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك، ومخرجك يا رسول الله، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أقيموا اليهودي عن أخيكم))، ثم ولي الرسول كفنه والصلاة عليه".
قال العلامة ابن كثير: هذا حديث جيد قوي، له شاهد في الصحيح عن أنس. ومن أحاديث الجواز الحديث المشهور قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل، ولا حرج، ومن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) حديث في البخاري في كتاب الأنبياء.
وإذا ما تصفحنا الأحاديث، نراها كثيرة، فثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب؛ يعني: مجموعة من كتبهم، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث الذي أباح التحديث عنهم، كتب ذلك صاحب (مقدمة في أصول التفسير) ابن تيمية، كل هذا يدل على الجواز، فقد أباح الله لنبيه أن يسأل أهل الكتاب، وكذا أباح لأمته أن يسألوا عما